بالرغم من أنّه اطّلع على أنّ مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة قد قتلا[1]، بعد هذا اطّلع على أنّ قيس بن مسهّر الصيداوي قد قتل من قِبَل عبيد الله بن زياد[2]، مع هذا لم يغيّر هذا الشعار، بل بقي يؤكّد أنّه مدعوٌّ من قِبَل أهل الكوفة، ولا بدّ له أن يجيب هذه الدعوة، حتّى التقى مع الحرّ بن يزيد الرياحي.
جاءه الطرمّاح قال له: «الحقْ بالجبل الفلاني[3]، وأنا أجمع لك عشرين ألف [شخص] من العشيرة الفلانيّة[4] يلتفّون حولك، والله يغنيك بذلك عن الكوفة»، قال (عليه السلام): «بيننا وبين القوم عهدٌ، ولا بدّ لي أن أسير إليهم»[5].
بعد كلّ هذه الدلائل من أهل الكوفة على نكث العهد، مع هذا بقي الإمام الحسين يواصل تأكيده على هذا الشعار.
إذاً، القصّة في الواقع لم تكن قصّة أن يقتنع الحسين، ولم يكن تحرّكه (عليه السلام) بينه وبين نفسه [نتيجةً] لردّ فعلٍ لطلب قواعده الشعبيّة في الكوفة؛ لأنّه اطّلع في أثناء الطريق على أنّ هذه القواعد الشعبيّة في الكوفة قد خانته، قد قتلت رسوله، قد قتلت ثقته من أهل بيته، ومع هذا كان يواصل السفر إليها.
كان هذا الشعار شعاراً منسجماً مع الأخلاقيّة التي تعيشها الامّة الإسلاميّة، وكان لا بدّ له أن يطرح هذا الشعار لكي يسبغ على العمليّة طابع المشروعيّة في
[1] ففي: الأخبار الطوال: 247 أنّه( عليه السلام) تلقّى خبر مقتل مسلم وهو في( زرود)، ثمّ أكمل مسيره؛ وفي: تاريخ الامم والملوك( الطبري) 397: 5 أنّه تلقّى خبر مقتل مسلم وهانئ في الثعلبيّة، ثمّ أكمل المسير.
[2] أنساب الأشراف 169: 3؛ الكامل في التاريخ 50: 4.
[3] هو جبلُ« أجأ»، وهو و« سلمى» جبلا طيء( معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع 109: 1؛ معجم البلدان 94: 1).
[4] وهي قبيلة طيء.
[5] تاريخ الامم والملوك( الطبري) 406: 5؛ تجارب الامم 66: 2؛ الكامل في التاريخ 50: 4.