الرسالة واضحة في أنّ الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) لم يكن قد خطّط لمسلمبنعقيل أن يملك الكوفة، وأن يسيطر على الكوفة كحاكم ووالٍ وسلطان، يقول: «انكمشوا في أمركم»، يعني حاولوا أن تحفظوا هذا التجمّع إلى أن آتي، فكان تحويلُ هذا التجمّع إلى مجتمع، إلى سلطان، إلى دولة، كان كلّ هذا موقوفاً على دخول الحسين (عليه الصلاة والسلام)، ولهذا أوصى بأن ينكمشوا في أمرهم.
إذاً، فرسالة مسلم بن عقيل لم تكن إلّا عبارةً عن استطلاع أحوال تلك القواعد الشعبيّة، وتزويد الإمام الحسين بالمعلومات الواضحة المؤكَّدة عن تلك القواعد الشعبيّة، ولم يكن مسلم بن عقيل مكلَّفاً بحرب، وإنّما قام بما قام به في اللحظة الأخيرة كدفاعٍ عن النفس؛ حيث لم يكن هناك طريقٌ آخر للاستمراريّة غير أنْ يتّخذ هذا الموقف الدفاعي.
كلّ هذا يعبّر في الواقع عن شعار عدم الابتداء بالقتال، هذا الشعار الذي كان من المفروض على الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) أن يطرحه لكي يشعر الناسُ جميعاً بأنّ العمليّة عمليّة فوق الشكّ، وأنّها مشروعة حتّى على مستوى تصوّرات الإنسان المسلم المهزوم روحيّاً وأخلاقيّاً.
ونحن إذا لاحظنا الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) في مسيره من مكّة إلى العراق نرى أنّه كان باستمرارٍ يؤكّد على ضرورة مواصلة السير والسفر؛ لأنّه مدعوّ، ولا بدّ له أن يجيب هذه الدعوة.
بلغه في الطريق أنّ مسلم بن عقيل قُتل، ولم يغيّر من موقفه[1]، أي لم يسقط هذا الشعار، بل بقي هذا الشعار مرفوعاً، وهو شعار أنّه مدعوٌّ من قبل الكوفة، ولا بدّ له أن يجيب.
[1] وكان( عليه السلام) قد مشى إلى الكوفة بعد أن ورده كتابُ مسلم:« فإنّ الرائد لا يكذب أهله، إنّ جمع أهل الكوفة معك» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 395: 5.