والذي كان يتمثّل في بقايا سياسة الخلفاء الذين سبقوه، كان يتمثّل في التمييز غير الشرعي وغير الإسلامي، وفي أفكار وعواطف كثيرة غير إسلاميّة، وفي الاستئثار بالأموال وإقامة الثروات على أساس غير مشروع، ويتمثّل في إسناد الولايات ومراكز النفوذ إلى اناسٍ لا ينسجمون مع خطّ الرسالة.
كان لا بدّ له (عليه السلام) أن يصفّي كلَّ هذا، كان لا بدّ له أن يقلّم أظافر المنحرفين، وأن يسترجع الأموال من الخائنين، وأن يحارب الأفكار والمفاهيم المنحرفة وغير المتّفقة مع خطّ الإسلام.
وهذه المعركة كبيرة في داخل مجتمعه، كان لا بدّ له أن يخوضها إلى جانب معركته الخارجيّة.
ب- وهذا على عكس معاوية بن أبي سفيان، الذي لم يكن يعيش معركةً في داخل مجتمعه؛ لأنّ الشام بالرغم من أنّها داخلةٌ في المجتمع الإسلامي والدولة الإسلاميّة بالفتح العسكري، فإنّه لم يدخل الإسلام إلى الشام دخولًا كبيراً، بل دخل الإسلام بشعاراته الأوّليّة فقط.
لم يدخل الإسلام بمضمونه الحقيقي إلى قلوب أهل الشام؛ فأهل الشام كانوا لا يزالون يعيشون الرواسب الجاهليّة بدرجةٍ كبيرة؛ حيث إنّهم كانوا يتأطّرون[1] بالأفكار التي آمنوا بها قبل الإسلام.
وكذلك لم تكن أوضاعهم الاجتماعيّة والفكريّة والسياسيّة تختلف بدرجةٍ كبيرةٍ عمّا كانت عليه قبل الإسلام، حتّى التشريعات الشكليّة للوضع السياسي كانت هي التشريعات الشكليّة للوضع السياسي قبل الإسلام.
عمر بن الخطّاب- بالرغم من صرامته الشكليّة ضدّ هذه التشريعات في العالم الإسلامي- قد أمضى هذه التشريعات عند معاوية وأبقاه على وضعه
[1] كذا في( م)، وفي( غ) و( ج):« يتعاطون».