حرمة المقدّمة[1].
كلّكم تعرفون المثال التقليدي الذي يقال عادةً في هذا المقام، في هذه المسألة، حينما يقال: إذا توقّف إنقاذ نفسٍ محترمةٍ من الغرق على اجتياز أرضٍ مغصوبةٍ لا يرضى صاحبها باجتيازها فلابدّ من اجتيازها[2].
تسقط هنا حرمة هذا المالك ورضا هذا المالك ويُجتاز؛ لأنّ النتيجة أهمّ من هذه المقدّمة، كما فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بعض غزواته[3] [في] مثالٍ مشابهٍ لهذا المثال:
كان الجيش الإسلامي مضطرّاً إلى الخروج من المدينة عن طريقٍ معيّن، وهذا الطريق كان فيه مزرعة لأحد الصحابة[4]، وكان هذا الجيش حينما يمرّ على هذه المزرعة- بطبيعة مروره كجيش على هذه المزرعة- يتلف كثيراً من محاصيل هذه المزرعة، ويؤدّي [إلى] أضرار بالنسبة إليها.
صاحب المزرعة ما هان عليه أن يقدّم هذه الأضرار في سبيل الله، في سبيل الرسالة. احتجَّ على ذلك وصرخ، ثمّ جاء إلى رسول الله فقال: مزرعتي ومالي! فلم يجبه رسول الله بحرف واحد، وأصدر أوامره إلى الجيش، ومشى في هذه المزرعة حتّى لم يبقَ في هذه المزرعة شيءٌ ممّا كان يَخافُ تلفَه صاحبُ المزرعة إلّا وتلف[5].
[1] راجع حول هذه المقولة: دروس في علم الاصول، الحلقة الثالثة: 231، شرطيّة القدرة بالمعنىالأعمّ.
[2] انظر: أجود التقريرات 106: 2؛ نهاية الأفكار 334: 2؛ دراسات في علم الاصول 331: 1.
[3] وكان ذلك حين خروجه( صلّى الله عليه وآله) إلى احُد.
[4] هو: مربع بن قيظي،« عُدّ في المنافقين، ويقال: تاب» الإصابة في تمييز الصحابة 53: 6.
[5] « قال لرسول الله[( صلّى الله عليه وآله)] حين أجاز في حائطه ورسول الله[( صلّى الله عليه وآله)] عامدٌ إلى احد: لا احلّ لك يا محمّد إن كنت نبيّاً أن تمرّ في حائطي، وأخذ في يده حفنة من تراب ثمّ قال: والله لو أعلم أنّي لا اصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله[( صلّى الله عليه وآله)]: دعوه، فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصيرة» السيرة النبويّة( ابن هشام) 523: 1؛ المغازي 218: 1؛ أنساب الأشراف 276: 1؛ الكامل في التاريخ 151: 2.