كلّ ذلك لأنّ النتيجة كانت أهمّ من المقدّمة؛ كان هذا الجيش يسير لأجل أن يغيّرَ وجه الدنيا، ولأجل تغيير وجه الدنيا إذا تلفت مزرعة، إذا ضاعت هناك ثروةٌ صغيرة لشخص في سبيل أن يحفظ مقياس توزيع الثروات في العالَم على الخطّ الطويل الطويل، فهذا أمرٌ صحيحٌ ومعقول.
فمن ناحية فقهيّة دائماً يقرَّرُ أنّ الواجب إذا توقّف على مقدّمة محرّمة وكان ملاك الوجوب أقوى من ملاك الحرمة، فلا بدّ وأن يقدّم الواجب على الحرام.
وعلى هذا الضوء، حينئذٍ تثار هذه النقطة في هذه الظاهرة التي استوضحناها في حياة أمير المؤمنين كحاكم، وهي: أنّه لماذا لم يطبّق هذه القاعدة في سبيل استباحة كثير من المقدّمات المحرّمة؟
أليس إجماع الرأي عليه، أليس تملّكه زمامَ قيادة المجتمع الإسلامي أمراً واجباً محقِّقاً لمكسبٍ إسلاميٍّ كبير؟ لأنّه هو الذي سوف يفتح أبواب الخيرات والبركات ويقيم حكومة الله على الأرض.
إذاً، فلماذا في سبيل تحقيق هذا الهدف، إذا توقّف هذا الهدف على مقدّمةٍ محرّمة- من قبيل إمضاء ولاية معاوية بن أبي سفيان برهةً من الزمن، أو إمضاء الأموال المحرّمة التي نهبها آل اميّة أو غيرهم من الاسر التي وزّع عليها عثمان بن عفّان أموال المسلمين؟[1]– لماذا لا يكون السكوت المؤقّت عن هذا النهب والسلب مقدّمةً للواجب الأهمّ؟ ولماذا لا يكون جائزاً حينئذٍ على أساس توقّف الواجب الأهمّ على ذلك؟
[1] قيل لعثمان:« هلَّا فعلت مثل ما فعل عمر؛ لم يؤثر من قرابته أحداً على غيرهم، ولم يولِّهم! فقال: كان عمر يقطع قرابته في الله، وأنا أصلهم في الله» الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة 1: 269، و« كان عثمان إذا أجاز أحداً من أهل بيته بجائزة جعلها فرضاً من بيت المال» تاريخ اليعقوبي 168: 2.