ذلك لله[1]
وقد امتُحن هذا النظام للدولة- منذ أن أعلنه الإسلام وأتمّ به رسالته- بمعارضة صاخبة أَبَت أن يبقى لون الحكم إلهيّاً دائماً، وطابع السلطة نبويّاً هاشميّاً أبداً
وجاءت المعارضة أوّلًا على شكل الدعوة إلى الانتخاب الحرّ واستمدادِ السلطة الحاكمة وجودَها من الناس أنفسهم، وعطّل ذلك النظامَ الخيِّرَ في عواصف مزلزلة لا سبيل لنا إلى ذكرها الآن.
وقام الحكم في دنيا الإسلام انتخابيّاً في لونه الظاهر، بعد أن حصرت دائرة الترشيح في إطار ضيّق من مهاجِرَة قريش خرج منه أكثر المسلمين، وقُصِرَت الأصوات الانتخابيّة على عددٍ لم يكن ليتيسّر أن يقوم ذاك الحكم على أكثر منه[2].
ثمّ ظهرت عليه مظاهر النزعة الفرديّة في السيطرة والحكم، فلم يمضِ عقدان حتّى اختصرت الانتخابَ في ستّةٍ لم يكن للمسلمين أيُّ تأثيرٍ في ترشيحهم[3].
ثمّ اشتدّ الطابع الفردي وضوحاً بعد ذلك.
وما زال الحكم يسير في خطٍّ منحنٍ- رسمته المعارضة في ظروف ومؤثّرات لا يتّسع لشرحها المقام- حتّى انتهى إلى دكتاتوريّة امويّة سافرة، هي أبعد ما تكون عن طبيعة نظام الدولة المفروض في قانون الإسلام، وضاعت الحقيقة التي قالها الإسلام في هذا الموضوع.
وفي هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الحكم الإسلامي، دقّت ساعةُ السماء في اذُنَي الحسين، تؤذنه بأنّها لحظة التضحية والشهادة، لا لكسب السلطة عمليّاً واستردادها من الغاصبين؛ فإنّ ذلك لم يكن ليؤمّل في تلك الظروف التي درسها
[1] الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 39: 2.
[2] يقصد( قدّس سرّه) حادثة السقيفة بعد وفاة رسول الله( صلّى الله عليه وآله).
[3] يقصد( قدّس سرّه) اجتماع الشورى السداسيّة بعد وفاة عمر بن الخطّاب لاختيار من يخلفه.