الحسين (عليه السلام) جيّداً، وفهمها عن آبائه جيّداً أيضاً، بل لتسفر دولةُ المعارضة بلون أحمر من الدم ولون أسود قاتم من الظلم، فينتزع بذلك عنها الطابع الإسلامي الذي كانت تدّعيه، ويضع هذا الطابع على الدولة التي أرادها الإسلام للمسلمين.
لم يُقِم الحسين (عليه السلام) دولة الإسلام، ولكنّه أرّخ الدولة الإسلاميّة وكتب حقائقها الذهبيّة، وسجّل نظامها بمدادٍ من الدم الطاهر أبدَ الدهر.
كان يوم الطفِّ تاريخاً رائعاً ليوم الغدير، وكان الدمُ الزكي المنسكب على أرض كربلاء برهاناً على أنّ روح الإسلام تتعالى عن منطق المعارضة وحكوماتها.
كان يومُ الطف يومَ القيامة الكبرى التي قضت على شرف الحكم واعتبار الحاكمين، وأعلنت للمسلمين- ببطولة لم تظفر الإنسانيّة بنظيرها- حقائق الإسلام في إطارٍ دامٍ رهيب.
ولم يكتفِ الإمام بذلك، بل استغاث في ذلك الموقف العظيم بالإنسانيّة كلِّها، ودوّى صوته الإلهيُّ طالباً المعونةَ والنصر، ففاض تاريخ الإسلام بالتضحيات الكريمة والأريحيّات الخيّرة والحركات التحرّريّة الجبّارة، وسوف يبقى هذا الصوت يرنُّ في مسمع الإنسانيّة، ويدفعها إلى الموت ليخلق لها الحياة، وإلى التضحية ليهبها الكرامة، يعلِّمُها كيف يهب الفردُ حياتَه للُامّة، فيكون شيئاً من حياة الامّة كلّها.
***