وأوضح الإمام بكلّ جلاء نظريّة الإسلام الإنسانيّة التي تترفّع عن التعصّب الذميم مهما كان لونه، فقال لواليه يوصيه: «فإنّهم[1] صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق»[2].
فما أروعها كلمة أراد بها (عليه السلام) أن يصحّح مفهوم الناس عن الدولة الإسلاميّة؛ فليست الدولة الإسلاميّة في ضوء هذه الكلمة أداة استعباد لغير المسلمين وعداوة لهم، بل هي رعاية للُاخوّة الدينيّة الخاصّة وللُاخوّة الإنسانيّة العامّة.
وقد بلغ حرص الإسلام على هذه النظرة الإنسانيّة مبلغاً رائعاً لا نظير له؛ حتّى إنّ عليّاً- وهو رئيس الدولة الإسلاميّة- وجد درعاً له عند مسيحي، فلم يكن له طريقٌ إلى أخذه منه إلّا بالوقوف معه بين يدي القضاء.
وهكذا وقف رئيس الدولة الإسلاميّة مع المسيحي جنباً إلى جنب أمام القاضي، وقال الإمام: «إنّها درعي، ولم أبع ولم أهب»، فقال القاضي للرجل المسيحي: «ما تقول في ما يقول أمير المؤمنين؟»، فقال المسيحي: «ما الدرع إلّا درعي». وهنا التفت القاضي إلى الإمام يسأله هل من بيّنة تشهد أنّ هذه الدرع لك، فضحك عليّ وقال: «ما لي بيّنة»، فقضى القاضي بالدرع للرجل المسيحي، فأخذها ومشى.
إلّا أنّه لم يخطُ خطوات قلائل حتّى عاد يقول: «أمّا أنا، فأشهد أنّ هذه أحكام أنبياء، أمير المؤمنين يدينني إلى قاضٍ يقضي عليه؟!»، ثمّ قال: «الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين»، وأسلم وحسن إسلامه[3].
[1] في البحث المطبوع:« الناس»، وما أثبتناه من المصدر.
[2] نهج البلاغة: 427، الرسالة 53.
[3] الغارات 47: 1؛ البداية والنهاية 4: 8؛ شذرات الذهب 320: 1؛ مناقب آل أبي طالب 105: 2؛ بحار الأنوار 56: 41.