وهكذا استطاع الإمام أن يسجّل في ذهنيّة الامّة بأقواله وأفعاله مفاهيم الدولة الإسلاميّة الخالدة وآياتها البيّنة، فأصحبت دولةُ الإسلام التي عكسها تاريخ عليٍّ أملَ الإنسانيّة في كلّ العصور، والعقيدةَ التي يتبنّاها المسلمون جميعاً في كلّ زمان وكلّ مكان.
صحيح أنّ الإمام (عليه الصلاة والسلام) لم ينجح كلَّ النجاح في القضاء على المناوئين والمتربّصين بالدولة الإسلاميّة؛ لأنّ المؤامرة الأثيمة على حياته المقدّسة التي انهار بها أعظم صروح الإسلام بعد صرح النبوّة قامت حائلًا دون تحقيق أماني الإسلام العذبة على يديه، وضمان السيادة السياسيّة له بشكل ثابت.
وصحيحٌ أنّ الإمام كان يؤلّب على نفسه ودولته جيشاً ضخماً من المنافقين والمارقين الذين ضاقوا بالحقّ، ولم يجدوا عند عليٍّ ما يشبع نهمهم المحموم إلى المال والجاه، فنقضوا[1] عليه وعارضوه بكلّ طَول وحَول، فلم يفكّر الإمام لحظةً واحدة في مهادنتهم على حساب الحقّ، وأن يسترضيهم بالوسائل التي لا تتّفق مع طبيعة الغاية المثلى، فنجمت عن ذلك سلسلة من المشاكل السياسيّة التي رافقت خلافة الإمام إلى آخر أيّامها.
كلّ هذا صحيح، ولكن ماذا يضير عليّاً من ذلك كلّه وقد خرج من المعركة كما أراد وكما أراد له الإسلام، ظافراً، منتصراً، قد ضرب للإسلام مَثَله الرفيع، وركّز إلى الأبد في عقول الواعين من الامّة مفاهيم الدولة الإسلاميّة، وطبع في أذهانهم صورتها الزاهية بكلّ ما تصبو إليه الإنسانيّة المهذّبة من القيم المادّيّة والمعنويّة؛ فصلوات الله عليه وعلى جهاده، وسلامٌ عليه يوم ولد، ويوم مات، ويوم يبعث حيّاً.
وختاماً، أرفع أكفّ الضراعة إلى الله سبحانه بأن يوفّق المسلمين جميعا
[1] في البحث المطبوع:« فانتقضوا»، أو أن يكون المراد:« فانتقدوه».