وهكذا أَفْهَمَ الإمامُ (عليه السلام) الامّةَ أنّه آخر من ينبغي أن يشبع في رعيّته، وليس أوّل من يشبع هو الحاكم كما كان يريد المتأوّلون والمنحرفون من خصومه السياسيّين.
ووضع الإمام المساواة الحقيقيّة التي جاء بها الإسلام موضع التنفيذ؛ فأعلن بكلّ صراحة قائلًا: «إنّما أنا رجلٌ منكم، لي ما لكم وعليَّ ما عليكم»[1].
وقال لأحد ولاته إذ ارتكب جنحة: «والله! لو أنّ الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما [كانت] لهما عندي هوادة، ولا ظفرا منّي بإرادة حتّى آخذ الحقّ منهما، و [ازيح] الباطل عن مظلمتهما»[2].
وهكذا حقّق الإمام المساواة بأروع معانيها، هذه المساواة التي لا تزال في الحضارات الأجنبيّة حتّى الآن حبراً على ورق.
ودشّن سياسته الاقتصاديّة بتطبيق المساواة الصارمة التي فرضها الإسلام بين المسلمين في الأموال العامّة، وضرب بيدٍ من حديد على الثروات المنهوبة من الامّة، وأعلن بكلّ وضوح أنّ كلّ القيم والاعتبارات لا تبيح شرعاً أن تزلزل تلك المساواة بين المسلمين في فيئهم؛ فهم في نظر الدولة الإسلاميّة سواءٌ، مهما اختلفت درجاتهم عند الله: قال (عليه السلام): «أيّها الناس[3]! ألا لا يقولنَّ رجال منكم قد غمرتهم الدنيا [فاتّخذوا] العقار وفجّروا الأنهار …: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا، ألا وأيّما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يرى أنّ الفضل له على [من] سواه [لصحبته] فإنّ الفضل [النيّر] غداً عند الله، …. فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسويّة»[4].
[1] شرح نهج البلاغة 36: 7.
[2] نهج البلاغة: 412، الرسالة 41.
[3] ليست في المصدر.
[4] شرح نهج البلاغة 37: 7، ويبدو أنّ الشهيد الصدر( قدّس سرّه) قد نقل المتن عن: روائع نهج البلاغة: 95.