الإسلام والانحراف عن نصوصه في الدولة والحكم والدستور لم تكن تقلّ خطراً عن معاركه الكبرى مع الكفّار والمشركين. ولم يُمنَ بما مني به من الأعداء والخصوم السياسيّين والحربيّين إلّا بسبب استبساله في الحفاظ على أهداف الدعوة، وحرصه على إقامة الدولة الإسلاميّة بعيدةً عن تضليل المضلّلين وأطماع الطامعين.
وهكذا نستطيع أن نقول: إنّ الإمام حارب أوّلًا في سبيل الدعوة الإسلاميّة ومُثُلها، وحارب أخيراً في سبيل الدولة الإسلاميّة ومنهاجها في السياسة والحكم، فلم تكن الدولة الإسلاميّة في نظر الإمام لتنفصل عن الإسلام بالذات، ولم تكن العقيدة الإسلاميّة في رأيه لتنفصل عن وعي إسلامي كامل لكلّ نواحي الحياة، ولم يكن ليكتفي الإمام من المسلمين أن يفهموا الإسلام كعقيدة في القلب أو ألفاظ تردّدها الشفتان فحسب، وإلّا فلماذا شنَّ تلك الحروب في خلافته ومني بالمنازعات؟! مع أنّ الإسلام- من حيث هو عقيدة في القلوب أو ألفاظ على الشفاه- لم يكن موضع خلاف ونقاش، أَلم يكن كلُّ ذلك لأجل أن تعي الامّة الإسلام وعياً صحيحاً، وأن يطبّق عليها تطبيقاً نزيهاً!
وهذا ما فعله الإمام (عليه السلام) تماماً حينما تولّى الحكم وأخذ بزمام القيادة السياسيّة للُامّة، فأعلن قبل كلّ شيء هدف الحكم الإسلامي الصحيح وحدّد رسالته المقدّسة، فقال مشيراً إلى نعله: «إنّ هذا النعل هو خير عندي من ولايتكم هذه إن لم أقم حقّاً وازهق باطلًا»[1].
وهكذا وضع للدولة الإسلاميّة هدفها الأساسي المتمثّل في جانب إيجابي، وهو إقامة القسط والعدل، وجانب سلبي، وهو إزهاق الباطل.
فليس الحكم في مفهوم عليٍّ عن الإسلام ذريعةً من ذرائع الثراء المحرّم
[1] نهج البلاغة: 76، الخطبة 33:« والله، لهي أحبُّ إليَّ من إمرتكم، إلّا أن اقيم حقّاً أو أدفع باطلًا».