فهو يعطي الحياة، ويكفيك بذلَ هذه الحياة، يقول لك: «حافظ على حياتك، ابتعد عن الأخطار، اذهب واجلس في بيتك، ودَعِ الإسلام مع أخطاره ومع أعدائه».
عمّار بن ياسر صحابيٌّ كبير، وأبو موسى الأشعري أيضاً صحابيٌّ كبير، هذا يكلّفك بالموت، وذلك يكلّفك بالحياة، ولكن أيّ حياة؟ هذه الحياة الرخيصة، حياة الذلّ والهوان، الحياة تحت ظلّ معاوية، تحت ظلّ الجاهليّة.
هذا الإنسانُ الاعتياديُّ البسيطُ الساذجُ الشاكُّ يفضّل إيحاء أبي موسى الأشعري وأمثاله على إيحاء عمّار بن ياسر وأمثاله؛ لأنّه يريد أن يحتفظ بحياته.
إذاً، يتعمّق الشكُّ على أساسٍ من إيحاء أمثال أبي موسى الأشعري وعبدالله بن عمر[1].
3- وممّا ساهم في تعميق الشكّ أيضاً: أنّه كان هناك نزاعٌ تقليديٌّ بين بني اميّة وبني هاشم، نزاعٌ عاشه بنو اميّة وبنو هاشم قبل الإسلام[2].
والناس حينما أخذوا يفتّشون عن نقطة ضعفٍ في المعركة، بدأت الأذهان تثير الشكَّ في أن تكون المعركة بين عليٍّ (عليه السلام) ومعاوية نتيجةً لاستمراريّة صراعٍ تقليديٍّ تاريخيٍّ توارثيٍّ بين القبيلتين، بين بني اميّة وبني هاشم.
كلّ هذه العوامل- وعوامل اخرى- ساعدت على أن يكون هذا الإمام العظيم مشكوكاً فيه من قبل هذه الجماهير، أن يكون الطابع الرسالي للمعركة غير واضحٍ عند هذه الجماهير، فكان هذا الإمام العظيم يصعد على المنبر ليدعو الناس إلى الجهاد فلا تتحرّك عواطفهم، كان يستثير هممهم وعزائمهم
[1] وهو الذي رشّحه أبو موسى الأشعري للخلافة بدل الإمام علي( عليه السلام) ومعاوية، فراجع: البداية والنهاية 282: 7.
[2] راجع كلام المقريزي في كتابه: النزاع والتخاصم في ما بين بني اميّة وبني هاشم: 38، جذور العداء.