يقدّمها كثيرٌ من المجتمعات .. نَفَسُ هذه الجماهير احتبس، النَّفَسُ لم يكن طويلًا، بينما الانحرافُ كان ذا نَفَسٍ طويل، انقطع نَفَسُ هذه الجماهير قبل أن ينقطع نَفَسُ الانحراف.
هذه الجماهير حينما أرهقها خطُّ الجهاد، وحينما أخذت تشعر بأنّها في حالةٍ غير طبيعيّة، وحينما أخذت تشعر بأنّها طلّقت الدنيا، طلّقت الأبناء والأموال والثروات في سبيل قضيّةٍ لا تمسّ مصالحهم الشخصيّة .. حينما أخذوا يحسّون هذا ويدركونه بدؤوا يوحون لأنفسهم بالشكّ؛ فإنّ التميّع يوحي بالشكّ، التميّع قد يخلق للإنسان الشكّ.
رغبة هؤلاء في أن يوقفوا هذه الجهود، في أن يحيّدوا أنفسهم، في أن يريحوا أنفسهم، هذه الرغبة النفسيّة تخلق شكّاً، تخلق مبرّراتٍ لامنطقيّة، هذه المبرّرات اللامنطقيّة هي نتيجة الرغبة النفسيّة في أن يتبدّل الحال، في أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل أعباء هذا الخطّ، قبل تحمّل مسؤوليّات هذا الخطّ.
وكانت هناك أشياء كثيرة أيضاً تساهم في هذا الشكّ وفي إشاعته:
2- كان هناك اناس من الصحابة على قدرٍ كبيرٍ من الورع والتقوى في نظر الناس. كان هؤلاء الناس المؤمنون- والذين لم يكونوا واعين رساليّين عقائديّين- يوحون للجماهير بأنّ المعركة ليست معركة صحيحة، أنّ القاعد في المعركة خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من السائر والضارب.
هذا الإيحاء من قِبل أبي موسى الأشعري[1] مثلًا كان له قوّة أكبر بكثيرٍ من الإيحاء المقابل من قِبل عمّار بن ياسر؛ لأنّ إيحاء عمّار بن ياسر يكلّف الموت، يكلّفك أن تتنازل عن حياتك. أمّا الإيحاء من أبي موسى الأشعري
[1] الذي نُصّب للتحكيم مع عمرو بن العاص« ليصلحا بين الناس ويتّفقا على أمر فيه رفقٌ بالمسلمين وحقنٌ لدمائهم»!! البداية والنهاية 216: 6.