وجودها من دون حاجة إلى المساومات وأنصاف الحلول. كان هذا الأمل أملًا معقولًا وكبيراً، ولهذا لم يكن هناك مجوّزٌ لارتكاب أنصاف الحلول والمساومات.
ولكنّ هذا الأمل قد خاب، وانتهى آخر أمل حقيقي في تصفية الانحراف حينما خرّ هذا الإمام العظيم (عليه السلام) صريعاً في مسجده، وقُدّر للمؤامرة على وجود الامّة أن تنجح وأن تؤتي مفعولها كاملًا.
غير أنّ الإمام (عليه السلام) حينما فتح عينيه في تلك اللحظة العصيبة ورأى الإمام الحسن (عليه السلام) يبكي وهو يدرك بأنّ وفاة أبيه هي وفاةٌ لكلّ الآمال، أراد أن ينبّهه إلى أنّ الخطّ لا يزال باقياً، وأنّ التكليف لا يزال مستمرّاً، وأنّ نجاح المؤامرة لا يعني أن نلقي السلاح.
نعم، المؤامرة نجحت يا ولدي، ولهذا سوف تشرّدون وسوف تقتلون، ولكنّ هذا لا يعني أنّنا يجب أن نلقي السلاح، ولا يعني انتهاء المعركة، ولهذا يجب أن تقاوم حتّى تقتل مسموماً، ويجب أن يقاوم أخوك الحسين (عليه السلام) حتّى يقتل بالسيف شهيداً[1].
لا بدّ أن يستمرّ الخطّ حتّى بعد أن سُرق من الامّة وجودُها؛ لأنّ محاولة استرجاع الوجود إذا بقيت في الامّة فسوف يبقى هناك نَفَسٌ في الامّة، سوف يبقى هناك ما يحصّنها من التميّع والذوبان.
الامّة حينما تنازلت عن إرادتها وعن شخصيّتها لجبّار من الجبابرة، لفرعون من الفراعنة، تكون عرضة للذوبان والتميّع في أتونه. لكن إذا بقي لدى الامّة محاولةُ استرجاعِ هذا الوجود- باستمرار هذه المحاولة التي يحاولها خطُّ عليٍّ، ومدرسةُ عليٍّ، والشهداءُ والصدّيقون من أبناء علي (عليه السلام) وشيعتِه-
[1] « يا بنيّ! أتجزع على أبيك وغداً تقتل بعدي مسموماً مظلوماً، ويقتل أخوك بالسيف هكذا، وتلحقان بجدّكما وأبيكما وامّكما؟!» بحار الأنوار 283: 42.