هذه هي الصيغة الإسلاميّة حتّى في عهد عثمان، ولكنّ هذا الوالي الاموي المتغطرس، أو ذاك الوالي المتعجرف كان ينطق ويترجم الواقع لا الدستور، فيقول: «إنّ أرض السواد بستاننا؛ نحن نعطي ونمنع»، وهكذا كان.
ولكنّ كلّ هذا كان يعني أيضاً أنّه ما دامت الصيغة الإسلاميّة موجودة جماهيريّاً، فإنّ المؤامرة غير ناجحة بالرغم من الجذور ومن المقدّمات والإرهاصات النظريّة والعمليّة؛ لأنّ الامّة جاءت وطالبت عثمان بمضمون الصيغة الإسلاميّة في الدستور، وتطالبه بخلع هذا الوالي أو ذاك؛ لأنّه منحرف، لأنّه لا يطبّق كتاب الله وسنّة رسوله (صلّى الله عليه وآله)[1].
ولم يكن باستطاعة عثمان أن يجيب بصراحة ويقول: «أيّتُها الامّة! ليس لكِ إرادة؛ لأنّ الإرادة إرادتي، وعليه: فهذا الوالي يمثّلني، أنا الحاكم المطلق[2]»، ولكنّه كان يراوغ ويعتذر ويقيل ويُرجع، وهكذا .. كان يناور مع الامّة، هذه الامّة التي بدأت تحسّ بالخطر على وجودها، فعبّرت عن ذلك تعبيراً ثوريّاً وقتلت الخليفة[3].
وبعد هذا اتّجَهَتْ طبيعيّاً إلى الإمام علي (عليه السلام) لكي يعبّر من جديد عن
[1] وقد اعترضت مثلًا على كلام سعيد بن العاص، فقد« رحل من الكوفة إلى عثمان الأشترُ مالك بن الحارث و … يسألونه عزل سعيد بن العاص عنهم، ورحل سعيد وافداً على عثمان فوافقهم عنده، فأبى عثمان أن يعزله عنهم وأمره أن يرجع إلى عمله، فخرج الأشتر من ليلته في نفر من أصحابه، فسار عشر ليال إلى الكوفة، فاستولى عليها وصعد المنبر فقال: هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أنّ هذا السواد بستان لأغيلمة من قريش، والسواد مساقط رؤوسكم ومراكز رماحكم وفيؤكم وفيء آبائكم، فمن كان يرى لله حقّاً فلينهض إلى الجرعة، فخرج الناس فعسكروا بالجرعة وهي بين الكوفة والحيرة» الطبقات الكبرى 24: 5؛ تاريخ الإسلام 431: 3.
[2] إمّا أن تكون كلمة( الحاكم) خبراً لمبتدأ في جملة استئنافيّة، وإمّا أن تكون بدلًا.
[3] قال علي( عليه السلام) يصف حال عثمان وقتلته:« لو أمرتُ به لكنت قاتلًا أو نهيتُ عنه لكنتُ ناصراً .. استأثر فأساء الأَثَرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، ولله حكمٌ واقعٌ في المستأثر والجازع» نهج البلاغة: 73، الخطبة 30.