أعلى[1].
عمر لم يجرؤ [على] أن يبيّن هذا المفهوم صراحة، عمر كان يريد أن يعيَّن الحاكم من أعلى، لا أن تفكّر الامّة في تعيين هذا الحاكم كما فكّرت في ذلك بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ذلك التفكير المشؤوم.
عمر بعد ذلك عبّر عمّا يريد صراحة حينما طُعن؛ حيث جاءه المتملّقون وقالوا له: «ينبغي أن توصي يا أمير المؤمنين، ولا ينبغي أن تترك امّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) هملًا»[2]، عندئذٍ عيّن ستّة أشخاص[3]. صحيحٌ أنّه لم يجرأ على تعيين واحد، وصحيحٌ أنّه أعطى الامّة وجوداً ناقصاً حينما حصر الأمر في ستّة أشخاص عليهم أن يعيّنوا واحداً منهم، ولكنّه في هذا كان ينفّذ المؤامرة، المؤامرةَ التي كانت تنفّذ بالتدريج على وجود هذه الامّة وكيانها وإرادتها.
عبد الرحمن بن عوف- الذي كان هو قطب الرحى في هؤلاء الستّة- لم يستطع أيضاً أن يطفئ دور الامّة، ولم يحلّ المشكلة عن طريق التفاوض في ما بين هؤلاء الستّة في اجتماع مغلق، وإنّما ذهب يستشير الامّة، ويسأل المسلمين عن الذي يرشّحونه من هؤلاء الستّة.
إلى هنا كانت الامّة لا تزال تحتفظ بدرجة من وجودها؛ بحيث إنّ صنيعة عمر بن الخطّاب لم تُغفِل وجودَ الامّة.
[1] ولذلك ورد في تتمّة كلام عمر:« فمن بايع رجلًا عن غير مشورة من المسلمين فإنّه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا» السيرة النبويّة( ابن هشام) 658: 2؛ تاريخ الإسلام 8: 3، أو« فمن عاد لمثلها فاقتلوه» تاريخ اليعقوبي 158: 2؛ البدء والتاريخ 190: 5.
[2] قالت عائشة لعبدالله بن عمر:« يا بني! أبلغ عمر سلامي، وقل له: لا تدع امّة محمّد بلا راع، استخلف عليهم، ولا تدعهم بعدك همّلًا؛ فإنّي أخشى عليهم الفتنة» الإمامة والسياسة 42: 1.
[3] « .. ولكنّي سأستخلف النفر الذين توفّي رسول الله وهو عنهم راض، فأرسل إليهم فجمعهم، وهم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفّان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم، وكان طلحة غائباً» الإمامة والسياسة 42: 1؛ أنساب الأشراف 500: 5؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 228: 4.