الحسين مصباحُ الإنسانيّة الباهر، الذي أضاء بالنور في ليلٍ من لياليها الحالكة، ليصنع لها نهارها المشرق الوضّاح، ويأخذ بيدها في سبيل تحقيق إنسانيّة الإنسان، وصقلها صقلًا إسلاميّاً خالصاً، وإعطائها حقوقها الفرديّة والاجتماعيّة، بعد أن انتزعتها منها حكوماتُ الإرهاب والاستعباد، التي لم تقرّ يوماً ما نظرةَ الإسلام في الحكم والنظام.
الحسين هو الفرد الذي اختُصِرَت في فرديّته العبقريّةِ قداساتُ الإنسانيّةِ كلّها، وتماوجت في روحه الفذّة حياةٌ تصنع الحياة، فكبر عليه أن يستأثر بها، وَوَهَبَها للعقائد والأجيال، فشاعت حياةُ الحسين فيها، وتحوّلت من حياة شخصٍ محدود إلى حياةٍ ثريّة خالدة للمثل الإسلاميّة العليا، وحياة ضميريّة خيّرة في قلب الأجيال الواعية من بني الإنسان.
وهكذا استمدّت العقيدةُ نشاطها واستعدادها للخلود من روح الحسين ودمه، كما كان قد استمدَّ منها [كيانَه] وضميرَه، فصارت تحيى بحياةٍ حسينيّةٍ مشعّة، كما كان يحيى بحياة عقائديّةٍ طاهرة.
الحسين هو ذلك العاشق المفتون بالحقيقة الإلهيّة المقدّسة وجمالها الأزلي، الذي لا يحسب حساباً للدنيا وما فيها؛ لأنّ ذلك كلَّه ليس إلّا شعاعاً ضئيلًا من ذلك المنبع الفوّار الذي قد فنى فيه، وسَحَرَ روحَه وكهرب مشاعره كلَّها.