في الضحايا، حينما التفتت إلى أخيها، حينما اتّجهت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تستنجده، أو تستصرخه، أو تخبره عن جثّة الإمام الحسين وهي بالعراء، عن السبايا و [هنّ مشتّتات]، عن الأطفال وهم مقيّدون، حينما أخبرت جدّها (صلّى الله عليه وآله) بكلّ ذلك ضجّ القتلة كلّهم بالبكاء، بكى السفّاكون، بكى هؤلاء الذين أوقعوا هذه المجازر، بكوا بأنفسهم[1].
إذاً، فالبكاء وحده ليس ضماناً، العاطفة وحدها ليست ضماناً لإثبات أنّ هذا- صاحب العاطفة- لا يقف موقفاً يقتل فيه الإمام الحسين، أو يقتل فيه أهداف الإمام الحسين.
لا بدّ من امتحان، لا بدّ من تأمّل، لا بدّ من تدبّر، لا بدّ من تعقّل؛ لكي نتأكّد من أنّنا لسنا قتلةً للإمام الحسين.
مجرّد أنّنا نحبّ الإمام الحسين، مجرّد أنّنا نزور الإمام الحسين، مجرّد أنّنا نبكي على الإمام الحسين، مجرّد أنّنا نمشي إلى زيارة الإمام الحسين، كلّ هذا شيء عظيم، شيء جيّد، شيء ممتاز، شيء راجح، لكنّ هذا الشيء الراجح لا يكفي ضماناً ودليلًا لكي يثبت أنّنا لا نساهم في قتل الإمام الحسين؛ لأنّ بالإمكان لإنسانٍ أن يقوم بكلّ هذا عاطفيّاً وفي نفس الوقت يساهم في قتل الإمام الحسين.
يجب أن نحاسب أنفسنا، يجب أن نتأمّل في سلوكنا، يجب أن نعيش
[1] « فَلَطَمْن النسوة وصِحْنَ حين مررن بالحسين، وجعلت زينب بنت علي تقول: يا محمّداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، يا محمّداه! وبناتك سبايا وذريّتك مقتّلة تسفي عليها الصبا! فأبكت كلّ عدوّ وولي» أنساب الأشراف 206: 3؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 456: 5. وقد تقدّمت الإشارة إلى بكاء ابن سعد ويزيد في المحاضرة السابعة عشرة، تحت عنوان: مبرّرات الإمام الحسين( عليه السلام) في اختيار الموقف الرابع، الموقف الثاني. وستتجدّد الإشارة إلى ذلك في المحاضرة الحادية والعشرين، تحت عنوان: كيف يمكن أن نكون قتلةً للحسين( عليه السلام)؟