لإبقاء هذه الهزيمة وإمرارها وتعميقها وتوسيعها .. يصبح العمل الشجاع تهوّراً، يصبح التفكير في شؤون المسلمين استعجالًا، يصبح الاهتمام بما يقع على الإسلام والمسلمين من مصائب وكوارث- يصبح كلّ هذا الاهتمامُ- نوعاً من الخفّة واللاتعقّل، نوعاً من العجلة وقلّة الأناة، نوعاً من التسرّع في العمل أو التفكير، هذه الأخلاقيّة هي أخلاقيّة الهزيمة التي تصطنعها الامّة لكي تبرّر هذه الهزيمة.
حينما تُهزم، حينما تشعر بأنّها قد انتهت مقاومتها، [تنسج] بالتدريج مفاهيم غير مفاهيمها الاولى، وقيماً وأهدافاً ومُثُلًا غير القيم والمثل والأهداف التي كانت تتبنّاها في الأوّل، لكي تبرّر- أخلاقيّاً ومنطقيّاً وفكريّاً- الموقف الذي تقفه.
فالإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) في الواقع كان يريد أن يبدّل هذه الأخلاقيّة، كان يريد أن يصنع أخلاقيّةً جديدةً لهذه الامّة تنسجم مع القدرة على التحرّك، مع القدرة على الإرادة.
حينما كان يقول: «لا أرى الحياة مع الظالمين إلّا برماً»[1] لم يكن هذا مجرّد شكوى، وإنّما كان هذا عمليّة تغيير لأجل إيجاد- أو لأجل الإرجاع في الواقع، لأجل إرجاع- هذه الأخلاقيّة الاخرى التي فقدها الأحنف بنقيس، وفقدها كلُّ الناس الذين مشوا مع الأحنف بن قيس. هؤلاء الذين تبدّل عندهم مفهوم: «وليست الحياة مع الظالمين إلّا جحيماً وشقاءً»، تبدّل هذا المفهوم إلى مفهوم لزوم الحفاظ على الحياة وعلى النَّفَس الذي يصعد وينزل، مهما كان مضمون هذا النَّفَس، ومهما كانت ملابسات هذا النَّفَس.
كان لا بدّ من صنع هذه الأخلاقيّة الجديدة التي تهزُّ ضمير الامّة وتحرّكها
[1] تاريخ الامم والملوك( الطبري) 404: 5؛ تاريخ الإسلام 12: 5.