من والي يزيد على مكّة[1]، يأتي إلى الإمام الحسين بكتاب أمان، يستأمنه والي يزيد على مكّة، يقول: «إذاً فلماذا تخرج؟ ما دمت في أمانٍ هنا، فلماذا تسافر؟!».
أصبح الشخص لا يفكّر إلّا في أن يكون في أمان، أن يكون دمه في أمان، وأن يكون ماله المحدود في أمان، ثمّ ماذا عليه؟! ماذا عليه من الامّة؟! من الإسلام؟! من الأهداف الكبيرة؟! من الامور العظيمة؟! ما دام هو في أمان، ما دام يعيش في أمان هؤلاء السلاطين، هؤلاء الطغاة، هؤلاء الجبابرة!
قال (عليه الصلاة والسلام): «إنّي لا أعيش في أمان عاملٍ من عمّال يزيد يا عبدالله!»[2]، قال: «واللهِ يا سيّدي إنّك تقتل إذا خرجت»،[3] قال (عليه السلام): «وإنّي أعلم أنّي سوف اقتل». سكت عبد الله بن جعفر[4].
2- قصّة مسلم شاهد آخر لموت إرادة الامّة.
مسلم بن عقيل حينما يُضطرّ إلى مراجعة الأحداث، حينما يجيء عبيدالله بن زياد ويخطّط للاشتباك في معركة مع مسلم والقبض على مسلم،
[1] والي يزيد على مكّة: عمرو بن سعيد بن العاص، ثمّ صارت له مكّة والمدينة بعد أن عزل يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة، فراجع: الإمامة والسياسة 5: 2؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 338: 5، 399.
[2] جاء هذا في جوابه( عليه السلام) إلى عمرو بن سعيد والي مكّة:« وقد دعوتَ إلى الأمان والبرّ والصلة، فخير الأمان أمان الله، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 388: 5، وكتب مثله لأبيه سعيد بن العاص( الفتوح 68: 5).
[3] من هنا إلى آخر المحاضرة ساقطٌ من المحاضرة الصوتيّة، وقد أثبتناه من( غ).
[4] كتب ابن جعفر إلى الحسين( عليه السلام):« فإنّي خائف عليك من هذا الأمر الذي قد أزمعت عليه أن يكون فيه هلاكك وأهل بيتك»، فأجابه( عليه السلام):« والله يا ابن عمّي! لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني[ و] يقتلوني، والله يا ابن عمّي! ليعدينّ عليّ كما عدت اليهود على السبت، والسلام»( الفتوح 67: 5)، ولمّا أتاه ابن جعفر مع يحيى بن سعيد بن العاص بكتاب عمرو بن سعيد وقرأ يحيى الكتاب، اعتذر( عليه السلام) بالرؤيا التي رأى فيها رسول الله( صلّى الله عليه وآله)، والتي لم يحدّثهما بمضمونها، ثمّ انصرفا[ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 388: 5]، وربما فهم( قدّس سرّه) من هذا الموقف سكوت عبدالله.