لأنّ معاوية لم يكن يحاول أن يمتدّ بظلمه إلى شخص الحسين مثلًا، كان يحاول أن يرفِّهَ على الحسين وأمثال الحسين من السادة الإسلاميّين الكبار.
كان الناس تحت السياط، أمّا الحسين لم يكن تحت السياط، لم ينله سوطٌ واحد من تلك السياط التي نالت ظهورَ الناس، بالرغم من هذا خرج الحسين نفسه، بذل دمه في سبيل اولئك الذين هم تحت السياط، والذين لم يفكّر واحد منهم في أن يبذل دمه في سبيل الآخرين الذين يشاركونه في أنّهم تحت السياط[1].
من هنا تحرّك الضمير الإسلامي، من هنا تحرّكت الإرادة في نفوس المسلمين، من هنا فجّر الإمام الحسين الثورة في يوم عاشوراء، وبقيت الثورة متفجّرةً على تعاقب، إلى أن طاح عرشُ بني اميّة.
إذاً، فكان هناك فرقٌ موضوعيٌّ كبير بين الظرف الذي عاشه الإمام الحسن والظرف الذي سوف يعيشه بعد عشرين عاماً الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام). كان هناك فرق في نوعيّة مرض الامّة: مرض الامّة في المرحلة الاولى كان هو الشكّ، وأمّا مرض الامّة في المرحلة الثانية كان هو فقدان الإرادة.
وكان لا بدّ للمرض الثاني أن يختار الطريق الأوّل، بينما المرض الأوّل لَمّا كان هو الشكّ، فلم يكن اختيار الطريق الأوّل في ظلّ مرضٍ من هذا القبيل يحقّق ذلك المكسب الذي حقّقه اختيار الطريق الأوّل من قبل الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).
إذاً، فعلى أساس الاعتبار الأوّل من الاعتبارات الثلاثة التي كان يمثّلها
[1] تقدّم الحديث عن هذه الفكرة في المحاضرة الثانية عشرة، تحت عنوان: الإمام الحسين( عليه السلام) يعالج موت إرادة الامّة بعد تبدّد الشكّ لديها. وسيتجدّد في المحاضرة السادسة عشرة، تحت عنوان: عدم تعرّض الإمام الحسين( عليه السلام) للظلم أصّل موضوعيّة حركته، وفي المحاضرة الثامنة عشرة، تحت عنوان: مقوّمات ثورة الإمام الحسين( عليه السلام)، المقوّمات الشخصيّة للثائر.