آخر، وهو موت الإرادة، أصبحت الامّة الإسلاميّة لا تملك إرادتها.
نعم، هي تعي وتفهم أنّ عليّاً هو طريق الكفاح والجهاد، أنّ عليّاً هو رمز الاطروحة الصالحة، أنّ حكم عليّ هو المثل الأعلى الذي يجب على المسلمين أن يكافحوا في سبيل تحقيقه، كلّ هذا أصبح واضحاً .. شعار «لا نريد إلّا حكم عليّ» هذا كان يتردّد على ألسنة الثائرين في أكثر الثورات التي وقعت في خطّ أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)[1].
ولكن مع هذا لم يكن هؤلاء يملكون إرادتهم، كانوا قد فقدوا ضميرهم وإرادتهم، كانوا قد استكانوا، كانوا قد هانت عليهم قيمُهُم ومُثُلهم واعتباراتهم، لم يكن الشكّ في الكبرى وقتئذٍ، بل كان العيب في الصغرى، كانت الإرادة قد انطفأت، كانت الشعلة قد ماتت، كانت الدريهمات الصغيرة هي أكبر هموم هذا الإنسان الصغير، هذا الإنسان القزم، ولهذا كان لا بدّ من أن يُحرَّك ضميرُ هذا الإنسان لكي يسترجع إرادته.
قلت في ما سبق[2]: إنّ أفضل وأروع تمثيل لفقدان الإرادة قول ذاك للإمام الحسين (عليه السلام): «سيوفهم مع عدوّك وقلوبهم معك»[3].
هذه قمّة فقدان الإرادة .. أن يكون الإنسان حبيباً لك، يحبّك، ولكنّه يحمل السيف عليك، يعني: قلبه لا يستطيع أن يمسك يده عن حمل السيف، هذه قمّة فقدان الإرادة، حينما تبلغ الامّة قمّة فقدان الإرادة [فلا] بدّ لشخص
[1] يقصد( قدّس سرّه) على الأغلب الثورات التي خرجت تحت شعار« الرضا من آل محمّد».
[2] تقدّم ذلك في المحاضرة الثانية عشرة، وسيتجدّد في المحاضرات: السابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة.
[3] المعروف أنّه قولُ الفرزدق، فراجع: الأخبار الطوال: 245؛ مقاتل الطالبيّين: 111؛ دلائل الإمامة: 74؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 386: 5. وقد نسب إلى بشر بن غالب الأسدي( الفتوح 70: 5) ومجمع بن عبدالله العائذي[ أنساب الأشراف 172: 3؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 405: 5؛ تجارب الامم 65: 2؛ الكامل في التاريخ 49: 4].