وقع اختيار المسلمين بطبيعتهم على الإمام علي؛ لأنّه كان أبرز صحابيٍّ على المسرح السياسي، يتمتّع بما لا يتمتّع به أيّ صحابيٍّ آخر من سوابق وفضل وشهرة.
إذاً، فالاستجابة منذ البدء كانت استجابةً عاطفيّة قائمةً على أساس الشهرة لا على أساس التفاعل، على أساس التقديس الذاتي لا على أساس التربية المباشرة من قبل الإمام لهذه القواعد الشعبيّة.
ومن الطبيعي أن تكون هذه الاستجابة العاطفيّة القائمة على أساس الشهرة وعلى أساس السوابق وعلى أساس الفضل استجابةً ذات شوطٍ قصير، ذات موجةٍ قصيرةٍ، ثمّ تبدأ بالذوبان، تبدأ بعد هذا بالتميّع حينما تصطدم بما تصطدم به أعباءُ الجهاد من المصالح الشخصيّة للأفراد.
أمّا حينما تجيء النظريّة الإسلاميّة إلى الحياة على أعقاب تفاعلٍ واسع النطاق مع جزءٍ كبير من الامّة، حينما تجيء ويكون هناك جزءٌ كبيرٌ من الامّة مقتنعاً بهذه النظريّة اقتناعاً واعياً مدبِّراً صحيحاً، في مثل تلك الحالة سوف لن تحتاج هذه النظريّة مرّةً اخرى إلى أن تتنازل عن الحكم لكي تكتسب الاقتناع. الاقتناع العاطفي هو الذي يتبخّر خلال غبار الجهاد، أمّا الاقتناع الواعي فهو الذي يتعمّق ويترسّخ خلال غبار الجهاد.
على أيّ حال، كانت الظروف الموضوعيّة وقتئذٍ تفرض هذا التلاشي وهذا الانحسار في الاقتناع حتّى فَقَد خطُّ عليٍّ وفقدت النظريّة الإسلاميّة الكاملة الصحيحة اقتناعَ المسلمين بها.
وحينما فقدت هذا الاقتناع كان لا بدّ لها من أن تسترجعه، وكان لا بدّ لكي تسترجعه من أن تفسح المجال لأعدائها لكي يعبّروا عن ذاتهم وعن نفسهم؛ لكي يقول معاوية بكلّ وضوح وبكلّ صراحة على المنبر الذي كان