الحياة فتقود وتحكم، ثمّ سرعان ما تهزم، وسرعان ما تضطرّ إلى الانسحاب، لكي تسترجع مرّةً اخرى الاقتناعَ الذي فقدته خلال التطبيق؟
هل هذا قَدَرٌ لازمٌ على النظريّة الإسلاميّة؟
لا، هذا ليس قَدَراً لازماً على النظريّة الإسلاميّة، وإنّما كان هذا قَدَراً لازماً على النظريّة الإسلاميّة في الظروف الموضوعيّة الخاصّة التي تفتّق عنها حكم الإمام علي (عليه أفضل الصلاة والسلام)؛ ذلك لأنّ الإمام عليّاً حينما حكم، وحينما جاء ليمارس تطبيق هذه النظريّة كاملةً غير منقوصة، جاء معتمداً على شعبٍ لم يتفاعل معه ساعة، لم يعش معه يوماً، لم يصرف معه في سبيل إعداده لهذه النظريّة جهداً.
الشعب الذي قام بحماية هذا التطبيق وشكّل الجيش المحارب للإمام علي كان شعب العراق. وبالرغم من أنّ شعب العراق وقتئذٍ كان يبدو من أكثر شعوب الامّة الإسلاميّة إخلاصاً للإمام علي- ولهذا نادى أهل العراق بالإمام عليٍّ خليفتهم[1]-، إلّا أنّ استجابة هذا الشعب واستجابة قطّاعات اخرى مصريّة وفي الجزيرة العربيّة للإمام علي (عليه الصلاة والسلام) كانت استجابةً على أساس الرصيد الضخم الذي كان يتمتّع به الإمامُ علي، على أساس هذا النوع من التاريخ الكبير الذي كان يعيشه الإمامُ عليٌّ في أذهان المسلمين.
المسلمون حينما عاشوا محنة انحراف عثمان، ثمّ بعد هذا محنةَ مقتل عثمان، وحينما وجدوا أمامهم مشاكل كبيرةً فوق الحلّ من الإنسان الاعتيادي، اتّجهوا بأنظارهم- بطبيعتهم- إلى صحابيٍّ كبير، اتّجهوا ليفتّشوا عن صحابيٍّ كبيرٍ يستطيع- بما يحمل من تراث محمّدٍ (صلّى الله عليه وآله)- أن يتغلّب على هذه المشاكل الكبيرة، ويملأ هذا الفراغ الكبير، ويعيد الامور إلى وضعها الطبيعي. فكان أن
[1] من كتاب عبد الله بن عبّاس إلى عمرو بن العاص:« فإنّ أهل العراق بايعوا عليّاً وهو خيرٌ منهم، وأهل الشام بايعوا معاوية وهم خيرٌ منه» الفتوح 150: 3- 151.