مختلف مجالات سياسته، حتّى أخذ المسلمون يشعرون شعوراً كاملًا واضحاً بأنّ اطروحة معاوية هي اطروحة الجاهليّة التي تريد أن تهدّم الإسلام والكيان الإسلامي، وأنّ عليّبنأبيطالب هو الذي كان يحمل المشعل، هو الذي كان يضيء الطريق، وأنّ تلك التجربة القصيرة التي زاولها في الحكم بقيت مثلًا أعلى، بقيت أملًا وحلماً في نظر الجماهير الإسلاميّة وهم في خضمّ بؤسهم الذي كانوا يعيشون فيه، وفي خضمّ ما كانوا يعيشونه من البلاء.
وهكذا رأينا أنّ كثيراً من المسلمين كانوا يتّصلون بالإمام الحسن (عليه السلام) بين حين وحين ويطلبون منه أن ينقض الهدنة؛ لأنّ معاوية أخلّ بالشروط.
ولكنّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان يقول بأنّ لكلّ شيء أجله، ولكلّ شيء حسابه. لم يكن يرفض بشكلٍ مطلقٍ فكرة نقض الهدنة، لكنّه كان يؤجّل هذا النقض بِلُغَةِ أنّ لكلّ شيءٍ أجله وحسابه[1]؛ وذلك لأنّه يريد أن ينكشف معاوية بصورةٍ أوضح وبصورةٍ أكبر، وكان يريد أن تكون أهداف معاوية مكشوفةً لكلّ إنسان.
إلّا أنّ معاوية بن أبي سفيان عرف أنّه سوف يتكشّف على هذا المستوى، وسوف يفتضح أمام المسلمين، ففكّر في أن يخفي هذه الفضيحة، أي أنّه فكّر في أن لا يكون مصيره مصير ابن عمّه عثمان بن عفّان.
عثمان تكشّف، لكن إلى درجةٍ ضئيلةٍ جدّاً، وهو يريد أن يتكشّف
[1] فإنّه بعد أن خطب معاوية قائلًا:« كلّ شرط شرطته لكم فهو مردود، وكلّ وعد وعدته أحداً منكم فهو تحت قدميَّ»، قال المسيّب بن نجبة الفزاري للحسن( عليه السلام):« أرى والله أن ترجع إلى ما كنت عليه وتنقض هذه البيعة؛ فقد نقض ما كان بينك وبينه»، فقال( عليه السلام):« يا مسيّب! إنّ الغدر لا يليق بنا ولا خير فيه … ولكنّي أردت بذلك صلاحكم وكفَّ بعضكم عن بعض، فارضوا بقضاء الله وسلّموا الأمر لله؛ حتّى يستريح برٌّ ويُستراح من فاجر» الفتوح 294: 4- 295.