ولكنّ الظروف هنا وطبيعة الموقف لم تكن توحي ولم تكن تؤدّي إلى اليقين بمثل هذا التوقّف؛ وذلك لأنّ المؤامرة التي كان على عليٍّ (عليه السلام) الاضطلاع بمسؤوليّة إحباطها حينما تولّى الحكم لم تكن قد نجحت بعد، بل كانت الامّة أيّام مقتل عثمان قد عبّرت تعبيراً معاكساً ومضادّاً لواقع هذه المؤامرة ولمضمونها.
صحيحٌ أنّ هذه المؤامرة تمتدّ بجذورها إلى أمدٍ طويل قبل هذا التاريخ؛ وذلك لأنّ الامّة التي سهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على إعطائها أصالتها وشخصيّتها وكرامتها ووجودها- حتّى إنّه ألزم نفسه وألزمه ربُّه بمشاورتها[1] لأجل تربية المسلمين وإعدادهم نفسيّاً لتحمّل مسؤوليّاتهم، ولأجل إشعارهم بأنّهم هم الامّة التي يجب أن تتحمّل مسؤوليّات هذه الرسالة[2]-، هذه الامّة التي خلّفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهي تعيش هذه الروحيّة، وتعيش هذا المستوى عاطفيّاً ونفسيّاً تعرّضت للمؤامرة على وجودها، وتحويل هذا الوجود إلى سلطان.
وكان أوّل جذرٍ من جذور هذه المؤامرة قد اعطي كمفهوم في السقيفة حينما قال أحد المتكلّمين فيها: «من ينازعنا سلطان محمّد؟»[3]. هذا المفهوم كان من المفاهيم التي شكّلت جذراً من جذور المؤامرة.
السقيفة وإن كانت بمظهرها اعترافاً بوجود الامّة؛ حيث إنّ الامّة تريد أن تتشاور في تعيين الحاكم بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولكن هذا المفهوم الذي اعطي في السقيفة- والذي كُتب له أن ينجح ويمتدّ بأثره بعد ذلك- كان بحدّ ذاته
[1] فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ آل عمران: 159.
[2] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ آل عمران: 110.
[3] الإمامة والسياسة 25: 1، 29؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 220: 3، وهو قول الخليفة الثاني، وقد ذكرنا في المحاضرتين الخامسة والسادسة كيف عبّر أبو سفيان عن هذا المفهوم يوم فتح مكّة، فراجع: البداية والنهاية 4: 290.