الزمن منذ أن تشكّلت السقيفة بشرعيّة حاكميّة معاوية بن أبي سفيان، ومعنى هذه الشرعيّة هو أنّ معاوية رجلٌ يوصف- على أقلّ تقدير- بأنّه عاملٌ قدير على تسيير مهامّ الدولة، وعلى حماية مصالح المسلمين ورعاية شؤونهم.
هذا المعنى هو المدلول العرفي الواضح لمثل هذا الإمضاء في الذهنيّة الإسلاميّة العامّة: نقطة قوّة لمعاوية في مقابل نقطة قوّة لعليٍّ (عليه السلام).
ونحن إذا قارنّا بين هاتين النقطتين، فسوف لن ننتهي إلى قرارٍ يؤكّد أنّ نقطة القوّة التي يحصل عليها الإمام (عليه السلام) هي أهمّ- في حساب عمليّة التغيير الاجتماعي التي يمارسها- من نقطة القوّة التي يحصل عليها معاوية، خاصّةً إذا التفتنا إلى أنّ عمليّة تغيير الولاة في داخل الدولة الإسلاميّة وقتئذٍ لم تكن عمليّة سهلة، ولم تكن عمليّة بهذا الشكل من اليسر الذي نتصوّره في دولة مركزيّة تسيطر حكومتها المركزيّة على كلّ أجزاء الدولة وقطّاعاتها.
ليس معنى أن يبايع معاوية خليفةً في المدينة أنّ جيشاً للحكومة المركزيّة سوف يدخل إلى الشام، أو أنّ هناك ارتباطاً عسكريّاً حقيقيّاً سوف يوجد بين الشام وبين الحكومة المركزيّة، وإنّما يبقى هذا الوالي بعد البيعة همزةَ الوصل الحقيقيّة بين هذا البلد وبين الحكومة المركزيّة:
أ- فضعف الحكومة المركزيّة عسكريّاً في ذلك الوقت.
ب- وترسّخ معاوية في الشام؛ لأنّ الشام لم تعرف والياً إسلاميّاً سوى يزيد بن أبي سفيان[1]، ومن بعده معاوية بن أبي سفيان[2].
[1] « وجّه أبو بكر الجنود إلى الشام أوّل سنة ثلاث عشرة .. وولّى يزيد بن أبي سفيان؛ فكان أوّل الامراء الذين خرجوا إلى الشام» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 387: 3؛ البداية والنهاية 31: 7.
[2] ولّى عمر بن الخطّاب معاوية على الشام« بعد موت أخيه يزيد بن أبى سفيان في سنة تسع عشرة، ورزقه ألف دينار في كلّ شهر» إمتاع الأسماع 151: 6، ثمّ قال بعد ذلك:« لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما طمع يزيد بن أبي سفيان ومعاوية أن أستعملهما على الشام» أنساب الأشراف 435: 10.