كان يتحدّاهم من غير قصد التحدّي، بل يقصد أن يهديهم ويبني[1] مجدهم ورسالتهم وعقيدتهم، ولكن ماذا يصنع باناسٍ يعيشون أنفسَهم؟!- فهؤلاء كانوا يفكّرون في أنّ هذا تحدٍّ لهم، استفرازٌ لهم، وكان ردّ فعلهم لهذا مشاعر ضخمة من العداء لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
ويكفي كمثالٍ لأنْ نوضح هذا المطلب: أن نذكر أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) حينما خرج غازياً وخلّف عليّاً (عليه السلام) مكانه أميراً على المدينة، هؤلاء الناس لميتركوا عليّاً (عليه السلام)، أخذوا يُشِيعون- بالرغم من أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يستخلف في المرّات السابقة أحد الأنصار على المدينة، ولم يكن عليٌّ (عليه السلام) [أحدَ المستخلفين]؛ لأنّ المنصب لم يكن من الأهميّة بحيث يتولّاه عليٌّ (عليه السلام) دائماً- بأنّه ترك عليّاً (عليه السلام) في المدينة لأنّه لا يصلح للحرب.
عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)- هذا الرجل الصلب العنيد المترفّع، هذا الرجل الذي يقول: «لا يزيدني إقبال الناس عليَّ ولا ينقصني إدبارهم»[2]– استُفِزَّت أعصابُه لدرجة أنّه ترك المدينة ولحق بالنبي (صلّى الله عليه وآله)، فسأله النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) عن سبب تركه المدينة، فقال: يقولون بأنّك تركتني لأنّي لا أصلح للحرب!
انظروا للحقد، لو أمكن أن تُنكَرَ كلُّ فضيلةٍ لعليٍّ (عليه السلام)، [ف-]- لا يمكن أن يُنكَرَ أنّه يصلح للحرب، ولكنّ الحقد على هذا الرجل العظيم وصل بهم إلى أن يفسّروا إمارته على المدينة بأنّه لا يصلح للحرب.
تأذّى عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) من هذا الكلام مع أنّه لا يتأذّى، ومع أنّه لا يتزعزع، إلى درجة أنّه اضطرَّ إلى أن سافر ليلحق بالنبي (صلّى الله عليه وآله)، يقول له: «يا رسول الله! أَتركتني هكذا؟!»، فيقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كلمته المشهورة: «إنّ عليّاً (عليه السلام) منّي بمنزلة هارون من موسى؛ إنّه لا ينبغي أن أخرج من المدينة إلا
[1] كذا في( م) و( ف)، وفي( غ):« يبيِّن».
[2] « لا يزيدني كثرة الناس معي عزّة، ولا تفرقهم عنّي وحشة» نهج البلاغة: 409، الكتاب 36.