القيم وكلّ المثل وكلّ هذه الاعتبارات والأهداف العظيمة، لكي تُرى رؤية العين وتُسمع سماع الاذن، لكي يلمَسَها بيده، يراها بعينه، يشمّها، يتذوّقها.
كان لا بدّ من أن توجد هذه البذرة- بذرةُ مثل هذا الحسّ- في النوع البشري، إلّا أنّ وجدان هذه البذرة في النوع البشري لا يعني أنّ كلَّ إنسانٍ سوف يصبح له مثل هذا الحسّ، سوف يتفتّق إدراكه عن مثل هذا الحسّ، وإنّما يعني أنّ الإمكانيّة الذاتيّة موجودة فيه، إلّا أنّ هذه الإمكانيّة لن تخرج إلى مرحلة الفعليّة إلّا ضمن شروطها وظروفها وملابساتها الخاصّة، كأيّ إمكانيّةٍ اخرى في الإنسان.
هناك شهواتٌ وغرائزُ موجودةٌ في الإنسان منذ يُخلق وهو طفل، ولكنّه لا يعيش تلك الشهوات ولا يعيش تلك الغرائز إلى مراحل متعاقبةٍ من حياته، فإذا مرّ بمراحل متعاقبة من حياته تفتّحت تلك البذور، وحينئذٍ أصبح يعيش فعليّةَ تلك الشهوات والغرائز.
هذا على مستوى تلك الشهوات والغرائز.
كذلك على مستوى هذا الحسّ، الذي هو أشرف وأعظم وأروع ما اودع في طبيعة الإنسان .. هذا قد لا يعيشه مئاتُ الملايين من البشر في عشرات الآلاف من السنين، قد لا يتفتّح، يبقى مجرّد استعدادٍ خام وأرضيّة ذاتيّة تمثّل الإمكان الذاتي لهذه الطينة فقط، دون أن تتفتّح عن وجود مثل هذا الحسّ؛ لأنّ تفتُّحَه يخضع لما قلناه من الملابسات والشروط التي لها بحث آخر أوسع من كلامنا اليوم.
مراتب الحسّ:
هذه الأرضيّة، أرضيّة أن يحسَّ الإنسان بتلك القيم والمُثُل، هذه الأرضيّة تصبح أمراً واقعاً في أشخاص معيّنين يختصّهم الله تبارك وتعالى بعنايته ولطفه