الله سبحانه وتعالى الإنسان، وأودعه الاستعداد الكامن[1]، والأرضيّة الصالحة بإفاضة هذه الموهبة من الله سبحانه وتعالى ضمن شرائط وظروف موضوعيّة وذاتيّة معيّنة.
الحسُّ وأثره في تربية الإنسان:
وهنا أنا اريد أن أدرس جانباً واحداً من ضرورة الوحي؛ لأنّ ضرورة الوحي يمكن أن توضع باعتبار جانبين في الإنسان. الآن أقتصر على أحد الجانبين.
الإنسان خُلق حسّيّاً أكثر منه عقليّاً، خُلق يتفاعل مع حسّه أكثر ممّا يتفاعل مع عقله، يعني: إنّ النظريّات والمفاهيم العقليّة العامّة في إطارها النظري، هذه المفاهيم، حتّى لو آمن بها الإنسان إيماناً عقليّاً، حتّى لو دخلت إلى ذهنه دخولًا نظريّاً، مع هذا: لا تهزّه، ولا تحرّكه، ولا تبنيه، ولا تزعزع ما كان فيه، ولا تنشئه من جديد إلّا في حدود ضيّقة جدّاً.
على عكس الحسّ؛ فإنّ الإنسان الذي يواجه حسّاً ينفعل بهذا الحسّ، وينجذب إليه، وينعكس هذا الحسّ على روحه ومشاعره وانفعالاته وعواطفه، بدرجةٍ لا يمكن أن يقايَس بها انعكاسُ النظريّة العقليّة، والمفهوم المجرّد عن أيّ تطبيقٍ حسّي.
وليس من الصدفة أنْ كان الإنسانُ على طول الخطّ في تاريخ المعرفة البشريّة أكثر ارتباطاً بمحسوساته من معقولاته، وأكثر تمسّكاً بمسموعاته وإبصاراته من نظريّاته؛ فإنّ هذا هو طبيعة التكوين الفكري والمعرفي عند الإنسان.
وليس من الصدفة أنْ قُرِنَ إثباتُ أيِّ دين- حقّانيّة أيّ دينٍ- بالمعجزة،
[1] هذا ما يبدو من المحاضرة الصوتيّة، وفي( غ) و( ف):« الكامل»، وسيأتي نظيره قريباً.