المختار، بل كان- بحسب ما تدلّ عليه الملابسات والظروف العامّة- بداية تخطيطٍ للمرحلة كلّها[1].
يعني: إنّ أئمّة المرحلة الثانية لم يكن بإمكانهم- على ما سوف نتحدّث عنه عندما نتكلّم عن الإمام السجّاد[2]– مواصلة العمل على أساس دم الحسين (عليه السلام)، لم يكن بإمكانهم تزعّم المعركة لتحريك الضمير الثوري عند الامّة الإسلاميّة، فكان من الضروري إعطاء هذه الصلاحيّات إلى سائر المسلمين، مع التزام الأئمّة (عليهم السلام) بالتوجيه والمراقبة والمساندة.
والمساندة واضحة كلَّ الوضوح خلال المرحلة الثانية، مساندة قادة الرسالة الحقيقيّين لهذا الخطّ الثاني واضحةٌ في عدّة وثائق تاريخيّة:
لعلّ من أهمّ هذه الوثائق التاريخيّة: ذلك الكتاب الباكي المفجوع الذي كتبه الإمام الصادق (عليه السلام) إلى بني عمّه، إلى عبد الله بن الحسن المحض أبي صاحب النفس الزكيّة، وإلى أهله وذويه الذين حبسهم طاغية عصره المنصور وسجنهم، وقتل منهم من قتل، ثمّ نفى منهم من نفى.
كتب الإمام الصادق إليهم كتاباً في السجن، هذا الكتاب- [الذي] سوف نتعرّض له حينما نتكلّم عن الإمام الصادق (عليه السلام)[3]– واضحٌ في أنّ الإمام كان يعيش آلام هؤلاء وآمالهم، ويبارك عملهم، ويكتوي في سجنهم حينما سجنوا، وبعذابهم حينما عذّبوا، وبقتلهم حينما قتلوا[4].
إذاً، فكان هناك خطّان ممتدّان في المرحلة الثانية:
[1] ذوب النضار في شرح الثار: 97.
[2] إذا كان( قدّس سرّه) قد تحدّث بشيء عن الإمام السجّاد( عليه السلام)، فلم يصلنا، وما في هذا الكتاب ليس هو المراد.
[3] إذا كان( قدّس سرّه) قد تحدّث بشيء عن الإمام الصادق( عليه السلام)، فلم يصلنا.
[4] « فلئن كنتَ تفرّدتَ أنت وأهل بيتك ممّن حُمل معك بما أصابكم ما انفردت بالحزن والغبطة والكآبة وأليم وجع القلب دوني؛ فلقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحرّ المصيبة مثل ما نالك» الإقبال بالأعمال الحسنة: 579.