وجهةٍ سياسيّة، [لكن] في حالاته الاعتياديّة كان هو ومن جاء بعده في تقيّةٍ شديدةٍ من ناحية هذا المبدأ بالذات، وأنا أعتقد أنّ الأئمّة كانوا في تقيّة من ذهنيّة الرأي العام أكثر ممّا كانوا في تقيّة من ناحية خلفاء الجور والظلم[1].
لم يكن الأئمّة في تقيّة من ناحية خلفاء الجور بتلك الدرجة التي نراها في الروايات والأخبار، لا أظنّ أنّها بتمامها كانت مستندةً إلى اتّقاء خطر خلفاء الجور، وماذا يهمّ خلفاء الجور أن تكون الفتوى هكذا أو هكذا في مسائل الطهارة والصلاة والصوم، ونحو ذلك من الامور التي لا ترتبط بلهوهم وانسهم وسياستهم وشهواتهم التي [تهمّهم][2]، لم يكونوا يهتمّون بهذه الناحية بالمقدار الذي يجعل الإمام يتّقي هذا الاتّقاء الذي يبدو من الروايات.
[هل] كان الإمام يتّقي في الموارد التي لا ترتبط لا من قريب ولا من بعيد بمسألةٍ سياسيّة؟ حتّى في هذه المواضيع كان الإمام يتّقي؟ ولماذا كان يتّقي؟[3]
الإمام كان- في نظر المسلمين أجمع- رجلًا عالماً كاملًا عاملًا عادلًا متديّناً، وكان لا يُشكّ في أنّه في طليعة أهل العلم والورع والتقوى، فلماذا لم يكن يقول في مسألةٍ: «إنّ هذا حرام» أو «إنّ هذا حلال»، ولا يهمّ ذلك الخليفة الجالس في قصره أن يكون هذا حراماً أو أن يكون ذلك [حلالًا] ما دام الخراج بيده وما دام الأمر أمره ونهيه؟
الذي أراه هو أنّ ذهنيّة المسلمين التي كرّسها الانحراف السياسي
[1] راجع كلاماً له( قدّس سرّه) حول هذه الفكرة في: بحوث في علم الاصول 34: 7،
[2] في( غ) و( ج):« التي تحتمل بهم»، وما أثبتناه هو المناسب للسياق.
[3] قال( قدّس سرّه) في بعض أبحاثه:« ما كان الأئمّة يمارسونه من تقيّة مع الحكّام إنّما يرجع إلى التعامل معهم كحكّام، وعدم التجاهر بعدم صلاحيّتهم للحاكميّة، لا تبرير فسقهم وفجورهم» بحوث في شرح العروة الوثقى 441: 3.