للذهاب إليهم، وقد تهيّأت الظروف الموضوعيّة في الكوفة لكي أذهب، ولكي اقيم حقّاً وازيل باطلًا»[1].
فكان يعكس ويفسّر سفرته على أساس أنّها استجابة وأنّها ردّ فعل، وأنّها تعبير عن إجابةِ طلب، [عن] أنّ الامّة تحرّكت وأرادت، وأنّه قد تمّت الحجّة عليه، ولا بدّ له أن يتحرّك.
الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن في واقعه يقتصر في مرحلته الجهاديّة هذه على أن تطلب منه الامّة فيتحرّك، وإلّا لما راسل ابتداءً زعماء قواعده الشعبيّة بالبصرة ويطلب منهم التحرّك، ولكنّه في نفس الوقت كان يعكس هذا الجانب أكثر ممّا يعكس ذلك الجانب؛ لأنّ هذا الجانب أقرب انسجاماً مع أخلاقيّة الهزيمة.
ماذا تقول أخلاقيّة الهزيمة أمام شخص يقول لها: «إنّي قد تلقّيت دعوة، وإنّ ظروف هذه الدعوة ملائمة للجواب والتحرّك نحو الداعي»؟!
وبطبيعة الحال هناك فرقٌ كبيرٌ بين إنسان يتحرّك تحرّكاً ابتدائيّاً و [بين] إنسانٍ آخر يتحرّك إجابةً لجماهير آمنت به وبقيادته وزعامته:
فهناك تقولُ أخلاقيّة الهزيمة: إنّ هذا متسرّع، وإنّ هذا لا يفكّر في العواقب، وإنّه ألقى بنفسه في المخاطر.
أمّا حينما يكون العمل إجابةً لدعوةٍ من جماهيرَ قد هيّأت كلَّ الأجواء اللازمة لهذه الدعوة، فهذه الأخلاقيّة المهزومة لا تقول عن هذا العمل وهذا التحرّك: إنّه عمل طائش، إنّه عمل صبياني، إنّه عمل غير مدروس.
هذه الشعارات التي طرحها الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) كانت كلّها واقعيّة، وفي
[1] من قبيل قوله( عليه السلام) للطرمّاح بن عدي الطائي:« إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه على الانصراف» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 406: 5؛ تجارب الامم 66: 2؛ الكامل في التاريخ 50: 4.