تطلب من الإمام (عليه السلام) بإلحاح القدومَ إلى العراق، وكان مضمون هذه الرسائل- كما تنقل الروايات-: «أقدم على جندٍ لك مجنّدة؛ فقد طاب الجنان واخضرّ المقام»[1].
ولا شكّ [في] أنّ عدم تلبية الإمام لهذه الطلبات- التي تقدّر على أقلّ الروايات باثني عشر ألف رسالة[2]– سيلزم الإمام (عليه السلام) الحجّة في تفويته للفرصة. وبالعكس، فإنّ المجيء سيلزم الامّة الحجّة إن هي خانت.
والأمر الآخر [هو] أنّ الإمام (عليه السلام) [كان] أمام التهديد الاموي إن هو لم يبايع، ولو بايع فإنّه سيعطي في مثل هذه الحالة الوثيقةَ الشرعيّةَ للحكّام الامويّين الظَلَمَة، وسيطفئ بالتالي بصيصَ الأمل الذي ترصده الامّة في تلك الشخصيّة المعارضة، أعني شخصيّة الإمام.
وفي حالة رفضه فإنّه أمام خيارين[3]:
أ- إمّا الموت الذي قرّره الامويّون له، ولو كان [متعلِّقاً] بأستار الكعبة[4].
ب- وإمّا الرحيل إلى إحدى المناطق التي يمتلك فيها شعبيّة وشيعة، ولا تتعدّى هذه المناطق: اليمن، الكوفة والبصرة. ومن المعلوم أنّ الطلب الاموي
[1] « فقد اخضرّ الجناب، وأينعت الثمار، وطمّت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنّد» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 353: 5، 425؛ الفتوح 29: 5؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 36: 2، 97.
[2] وصل الإمامَ الحسين( عليه السلام) خمسون كتاباً، ثمّ خمسون، إلى أن وصله ما ملأ منه خرجين( الأخبار الطوال: 229)، وربما هو المعبَّر عنه بحمل بعير( البدء والتاريخ 9: 6)، وقد« ورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب، وتواترت الكتب حتّى اجتمع عنده في نوب متفرّقة اثنا عشر ألف كتاب» اللهوف على قتلى الطفوف: 35؛ فما ذكره( قدّس سرّه) ليس على أقلّ الروايات. كما ورد أنّ الأسماء- لا الكتب- بلغت مئة ألف، فراجع: الطبقات الكبرى، الطبقة الخامسة 459: 1
[3] تقدّم الحديث عن الخيارات المتاحة أمامه( عليه السلام) بشكل أكثر تفصيلًا في المحاضرة السابعة عشرة.
[4] تقدّم التعليق على هذه المقولة في المحاضرة السابعة عشرة. وراجع حول أصل التربّص به والغيلة به( عليه السلام): المحاضرة العشرين، تحت عنوان: شعارات الإمام الحسين( عليه السلام) في تبرير مخطّطه، الشعار الأوّل: حتميّة القتل.