«استقل، تنحَّ عن الحكم»، قال: «لا أنزع ثوباً ألبسني الله إيّاه»[1]، حتّى قتل وهو يعلم أنّه لو تنحّى عن الحكم لما قتل.
إذاً، كان موقفاً شجاعاً من عثمان بن عفّان حينما واصل الحكم إلى أن قتل، يعني: بذل دمه في سبيل الحكم، بذل نفسه في سبيل الحكم. لكن، هل كان هناك إنسانٌ يتجاوب مع مثل هذه الشجاعة؟ هل استطاعت هذه الشجاعة الفاجرة الكافرة أن تهزَّ ضمير الامّة الإسلاميّة أو أن تحرّك شيئاً من أوضاع المسلمين؟
لا، لماذا؟ لأنّ عبدالله بن الزبير، أو لأنّ عثمان بن عفّان، أو لأنّ أيّ شخصٍ آخر من هذا القبيل كان يحارب وكان يقاتل لنفسه لا للُامّة، وكانت الامّة- على أقلّ تقدير[2]– تشكّ في هذا، وتحتمل هذا .. كانت على أقلّ تقدير تشكّ في أنّ عبدالله بن الزبير هل كان يقاتل لنفسه؟ هل كان قد استسلم للموت لأنّه أبى الضيم، لأنّه أبى أن يطأطئ أمام عدوّ؟ أو أنّه واصل القتال لأجل الامّة، لأجل المظلومين والبائسين والمضلَّلين الذين كان يحكمهم عبدالملك بن مروان؟
الامّة حيث إنّها لم تكن تعيش ذلك الاقتناع بالنسبة إلى عبدالله بن الزبير أو بالنسبة إلى أمثال عبدالله بن الزبير، فلهذا[3] ذهبت ميتة عبدالله بن الزبير دون أن تخلّف أثراً حقيقيّاً في محتوى الامّة النفسي أو الفكري أو الروحي.
[1] أنساب الأشراف 583: 5؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 376: 4؛ تجارب الامم 452: 1؛ البدء والتاريخ 206: 5؛ الكامل في التاريخ 169: 3؛ ديوان المبتدأ والخبر( ابن خلدون) 599: 2.
[2] متعلّق بالشكّ لا بالامّة.
[3] في المحاضرة الصوتيّة:« ولهذا»، وقد استبدلنا الفاء بالواو ليستقيم المعنى، أو يُحذف قوله( قدّس سرّه) في صدر العبارة:« حيث إنّها».