أساس هذه الاعتبارات الثلاثة، دون أن يَدخُلَ إلى جانب هذه الاعتبارات الثلاثة اعتبارٌ رابعٌ يُطلق عليه عادةً أيُّ اسمٍ من الأسماء العاطفيّة أو الخُلُقيّة التي لا ترتبط بمصالح الرسالة، من قبيل أن يقال: «إباء الضيم»، «عدم الاستعداد لمصافحة الأعداء»، «الشعور بالعزّة».
كلّ هذه المشاعر هي اعتبارات عاطفيّة يجب أن لا تأخذ طريقها إلى قلب الإنسان الحقّ الذي يريد دائماً أن يرسم طريقه على أساس الاعتبارات الرساليّة.
فإباء الضيم مثلًا الذي ينسب عادةً إلى الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام)، هذا الإباء يجب أن يراد به حينما ينسب إلى إمامٍ حقٍّ كالإمام الحسين أو الإمام الحسن: إباءُ هذا الإمام عن أن تُنتَهَك حرمةُ الرسالة، وعن أن تُذَلَّ الرسالة، وعن أن تفقد الرسالة مكسباً كان بالإمكان أن يتحقّق بالنسبة إلى هذه الرسالة.
أمّا المفهوم العاطفي لإباء الضيم فهو مفهومٌ جاهليٌّ لا يقرّه الإسلام؛ فإنّ إباء الضيم حيث تقتضي الرسالة من الرسالي أن يُمتحن بتحمّل هذا الضيم، مثل هذا الإباء يكون موقفاً لا رساليّاً ولا إنسانيّاً. كما إنّ العكس صحيح.
فأيّ اعتبارٍ عاطفيٍّ أو خُلُقيٍّ غيرُ نابعٍ من واقع الرسالة وقِيَمها وأهدافها يجب أن لا يدخل في حساب الإنسان الحقّ. وأيّ إنسانٍ حقٍّ أحقُّ بهذا الوصف من هؤلاء القادة الذين اؤتمنوا على أشرف رسالات السماء؟!
وهذا ليس مجرّد مفهوم تاريخي، وإنّما أيضاً يجب أن يكون قاعدةً لعمل كلّ واحدٍ منّا، كلّ إنسانٍ يريد أن يسير على خطّ هؤلاء القادة (عليهم الصلاة والسلام) يجب- في بداية دراسة كلّ نقطةٍ من نقاط سلوكه على مفترق الطريق- أن يدرُسَ سلوكه واختياره على مفترق الطريق على أساس اعتبارات الرسالة، لا على أساس نوعٍ من العواطف التي يعيشها الإنسان الاعتيادي بقلبه لا برسالته.