ثمّ عاش مع عمّه الحسن (عليه السلام) في محنته، ثمّ عاش مع أبيه الحسين (عليه السلام) في محنته، ثمّ استقلّ بالمحنة، حتّى رأى جيوش الخطّ المنحرف تدخل إلى مسجد رسولالله (صلّى الله عليه وآله) فتربط خيلها باسطوانات المسجد[1].
هو يحدّث (عليه السلام) بأنّه كان يدخل إلى مسجد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)[2]، هذا المسجد الذي كان من المفروض أن يكون منطلقاً للرسالة في أفكارها ومفاهيمها ونورها إلى العالم كلّه، هذا المسجد قاسى على عهد الإمام زين العابدين (عليه السلام) هذا المستوى من الذلّ والهوان، وجيش الانحراف- جيش بني اميّة- يأتي إلى المدينة ويعلن إباحتها، يهتك كلَّ حرمات النبي (صلّى الله عليه وآله) في المدينة، ويدخل إلى مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله) ويربط خيله باسطوانات المسجد.
الإمام السجّاد (عليه السلام) عاش هذه المحنة، [من] محنة الجمل إلى حين دخول جيوش الانحراف إلى المسجد واستهتارها بحرمات النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على هذا المستوى.
يمكن أن نعتبر أنّ الفترة التي عاشها الإمام السجّاد (عليه السلام) هي أقسى فترةٍ مرّت على إمام؛ لأنّها بدايةُ تكشّفِ قمّة الانحراف.
صحيحٌ أنّ هذه القمّة لم تنحسر بعده وإنّما بقيت، ولكنّ البداية كانت على عهده، هو عاصر البداية، وبهذا كنّا نعتبر الإمام السجّاد (عليه السلام) ممتحناً أكثر من سائر الأئمّة (عليهم السلام).
***
[1] انظر: مناقب آل أبي طالب 143: 4؛ بحار الأنوار 131: 46، الحديث 21. وكان ذلك في وقعة الحرّة المعروفة سنة 63 ه-؛ حيث« وجّه يزيد مسلم بن عقبة المري في جيش عظيم لقتال ابن الزبير، فسار بهم حتّى نزل المدينة، فقاتل أهلها وهزمهم، وأباحها ثلاثة أيّام؛ فهي وقعة الحرّة» المعارف: 351؛ تاريخ اليعقوبي 250: 2؛ معجم البلدان 249: 2؛ الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة: 116.
[2] يقول الراوي في( مناقب آل أبي طالب):« فيتكلّم علي بن الحسين( عليه السلام) بكلام لم أقف عليه».