الآن تصوّروا مجتمعاً إسلاميّاً تركه أبو بكر وعمر وعثمان وهو يغصُّ بالتقسيمات القبليّة، ويغصُّ بالتنظيمات القبليّة، بمعنى أنّ كلّ قبيلةٍ كانت تخضع سياسيّاً وإداريّاً لزعامةٍ في تلك القبيلة، وكانت زعامة هذه القبيلة هي همزة الوصل بين هذه القبيلة وبين السلطان.
تصوّروا مجتمعاً من هذا القبيل: أحدُ الأميرين [فيه] يحمل اطروحةَ أنْ يساوي بين شيخ هذه القبيلة وبين أفراد هذه القبيلة، ويحمل الآخر اطروحةَ أنْ يرشي رؤساء هذه القبائل بقدر الإمكان! أيُّ الاطروحتين تكون أقدر بالنسبة إلى هذا المجتمع؟!
طبعاً، الاطروحة الاولى هي في صالح الأضعف، الأكثرِ كمّاً، ولكنّه الأضعف كيفاً، والاطروحة الثانية هي في صالح الأقلّ كمّاً، ولكنّه الأقوى كيفاً.
هذا أيضاً كان عاملًا من عوامل القوّة بالنسبة إلى معاوية.
هذه الظروف الموضوعيّة لم يصنعها الإمام (عليه الصلاة والسلام)، وإنّما هي صُنعت خلال تاريخ، فوُجد لمعاوية مركزٌ قوي، ووجد للإمام (عليه الصلاة والسلام) مركزٌ لولا براعته الشخصيّة وكفاءته الشخصيّة ورصيده الروحي الكبير في القطّاعات الشعبيّة الواسعة لَمَا استطاع (عليه الصلاة والسلام) أن يقوم بما قام به من حروب ثلاثة داخليّة في خلال أربع سنوات.
بدأ الإمام (عليه الصلاة والسلام) خلافته ودشّن عهده، وبدأ الانقسام مع هذا العهد على يد معاوية بن أبي سفيان، وأخذ الإمام (عليه الصلاة والسلام) يهيّئ المسلمين للقيام بمسؤوليّاتهم الكبيرة، للقيام بدورهم في تصفية الحسابات السابقة، في تصفيتها على المستوى المالي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الاجتماعي، على المستوى السياسي والإداري أيضاً الذي كان يحتاج إلى الحرب، كان يحتاج إلى الجهاد، كان يحتاج إلى القتال، وأخذ يدعو الناس إلى أن يخرجوا للقتال،