كان المخطَّط الاموي[1] يريد أن يقتنص وأن ينهب مكاسب البناء الإسلامي والوجود الإسلامي، وكانت هذه المؤامرة تنفّذ على مستويات:
أ- كانت المرحلة الاولى من المؤامرة الامويّة عمليّة ترسيخ الأخوين يزيد ومعاوية في الشام، ومن ثمّ محاولة استقطاب الشام عن طريق حكمه الدائم من قِبَلهم.
ب- ومن ثمّ ابتدأ معاوية ينتظر الفرصة الذهبيّة التي هيّأها له مقتل عثمان، هذه الفرصة الذهبيّة التي تعطيه سلاحاً غير منتظر[2] يمكن أن يمسكه ويدخل به إلى الميدان. ولهذا نراه قد تباطأ عن نصرة عثمان بن عفّان وعن أمر الجيوش التابعة له بالدخول إلى المدينة لحماية عثمان، مع العلم بأنّ عثمان كان يستنصره ويستصرخه ويؤكّد له أنّه يعيش لحظات الخطر[3].
لكنّ معاوية كان يتلكّأ في إنقاذه، وكان قادراً- على أقلّ تقدير- على تأخير هذا المصير المحتوم عن عثمان إلى مدّةٍ أطول لو أنّه وقف موقفاً إيجابيّاً حقيقيّاً من نصرة عثمان، ولكنّه تلكّأ.
كان يخطّط لكي يبقى هذا التيّار كاسحاً، ولكي يخرّ عثمان صريعاً على أيدي المسلمين، ثمّ بعد هذا يأتي ويمسك بزمام هذا السلاح[4]، ويقول: «أنا
[1] في( ف) و( ن):« الشرف الاموي»، وهو غير مثبت في( م) وساقطٌ من( غ)، وهو إمّا من خطأ المدوّنين، أو تهكّمٌ منه( قدّس سرّه)، وما أثبتناه من السياق.
[2] أي: غير متوقَّع.
[3] « فلمّا رأى عثمان ما قد نزل به .. كتب إلى معاوية ..:( أمّا بعد، فإنّ أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة، فابعث إليّ من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كلّ صعب وذلول). فلمّا جاء معاويةَ الكتابُ تربّص به ..» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 368: 4.
[4] كتب عليٌّ( عليه السلام) إلى معاوية:« فأمّا إكثارك الحجاج على عثمان وقتلته، فإنّك إنّما نصرت عثمان حيث كان النصر لك، وخذلته حيث كان النصر له، والسلام» نهج البلاغة: 410، الكتاب 37. وقال جويرية:« أرسل عثمان( رضي الله عنه) إلى معاوية( رضي الله عنه) يستمدّه، فبعث معاوية( رضي الله عنه) يزيد بن أسد جدّ خالد القسري وقال له: إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها، ولا تقل: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، قال: أنا الشاهد وأنت الغائب. فأقام بذي خشب حتّى قتل عثمان( رضي الله عنه). فقلت لجويرية: لِمَ صنع هذا؟! قال: صنعه عمداً ليقتل عثمان( رضي الله عنه) فيدعو إلى نفسه» تاريخ المدينة المنوّرة 291: 2.