بنفسه [ثانياً][1].
من خلال هذين العملين- العمل السياسي المتمثّل في المعارضة، والعمل السياسي المتمثّل في رئاسة الدولة بصورةٍ مباشرةٍ- قدَّم الوجهَ الحقيقيَّ للإسلام، الاطروحة الصحيحة للحياة الإسلاميّة، الاطروحة الخالية من كلّ تلك الألوان من الانحراف.
طبعاً هذا لا يحتاج إلى حديث، ولا يحتاج إلى تمثيل؛ لأنّه واضح لديكم.
أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما تولّى الحكم لم يكن يستهدف من تولّي الحكم تحصين التجربة أو الدولة بقدر ما كان يستهدف تقديم المثل الأعلى للإسلام؛ لأنّه كان يعرف أنّ التناقضات في الامّة الإسلاميّة بلغت إلى درجةٍ لا يمكن معها أن ينجح عملٌ إصلاحيٌّ إزاء هذا الانحراف، مع علمه أنّ المستقبل لمعاوية، وأنّ معاوية هو الذي يمثّل القوى الكبرى الضخمة في الامّة الإسلاميّة.
كان يعلم ذلك، ولهذا ذكّر بولاية معاوية، وقال لأهل الكوفة: ويلكم، إنّه سيسلّط عليكم هذا الرجل الذي نعته النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) خاصّة[2].
كان يعرف أنّ القوى الضخمة التي خلّفها عمر وخلّفها عثمان والتي خلّفها الانحراف، هذه القوى كلّها إلى جانب معاوية، وليس إلى جانبه هو ما يعادل هذه القوى[3]، ولكنّه مع هذا قَبِل الحكم، ومع هذا بدأ بتصفية وتعرية
[1] وهو ما يعالجه الشهيد الصدر( قدّس سرّه) هنا تحت عنوان: معالجة العامل الكيفي.
[2] عن الحسن بن علي( عليهما السلام):« إنّي سمعت عليّاً يقول: سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وآله) يقول: لا تذهب الليالي والأيّام حتّى يجتمع أمر هذه الامة على رجل واسع السّرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتّى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر. وإنّه لمعاوية، وإنّي عرفت أنّ الله بالغ أمره» مقاتل الطالبيّين: 76؛ وراجع كلام عليٍّ( عليه السلام) في: نهج البلاغة: 92، الخطبة 57.
[3] سيعالج الشهيد الصدر( قدّس سرّه) بشكل مفصّل العوامل التي أدّت إلى أن يكون معاوية أقدر على الاستمرار بخطّه من إمام الإسلام( عليه السلام) في المحاضرتين الحادية عشرة والثانية عشرة.