قسّم الأموال الضخمة على هذه الاسرة، لم يكن هذا الانحراف مختلفاً عن انحراف عثمان في جوهره عندما ميّز عثمان أهل بيته وعشيرته، إلّا أنّ عمرَ ربط هذا الانحراف بالحرارة الإيمانيّة عند الامّة. هذه الحرارة غير الواعية عند الامّة كانت تقبل مثل هذا الانحراف؛ لأنّ هؤلاء أهل النبي وزوجاته، العبّاس مثلًا يمكنه أن يَثرى على حساب النبي، وكذا عائشة وحفصة و … ولا تحسّ الامّة بأساً بذلك.
عثمان حينما جاء لم يزد على هذا الانحراف في جوهره شيئاً، بدّل عشيرة النبي (صلّى الله عليه وآله) بعشيرته هو فقط[1]. انحراف عثمان استمرارٌ لانحراف عمر، إلّا أنّه انحراف مكشوف، بينما ذلك الانحراف مقنّع، ذاك الانحراف مرتبط بالحرارة الإيمانيّة عند الامّة، وهذا الانحراف يتحدّى مصالح الامّة، ويتحدّى المصالح الحسّية للُامّة، ولهذا استطاعت الامّة أن تلتفت إلى انحراف عثمان، بينما لم تلتفت بوضوحٍ إلى انحراف أبي بكر وعمر.
ولذا لم يستطع عليّ (عليه السلام) أن يعلن ذلك إلّا بعد أن مات أبو بكر وعمر، في الوقت الذي لا يفسّر فيه عملُه على أنّه منازعةٌ للسلطان والزعامة مع أبي
[1] « إلى أن قام ثالثُ القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومُعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع» نهج البلاغة: 49، الخطبة 3. وراجع: الإمامة والسياسة 50: 1؛ المعارف: 195؛ أنساب الأشراف 515: 5، 580؛ البدء والتاريخ 5: 200. وقد أنشأ عبد الرحمن بن حنبل الجمحي لمّا أعطى عثمانُ مروان بن الحكم خمسمائة ألف من خمس إفريقية:
وولّيت قرباك أمر العباد خلافاً لسنّة من قد مضى
الاستيعاب في معرفة الأصحاب 828: 2- 829
وأورد القاضي عبد الجبّار إيثار عثمان عشيرَته ضمن ما يُطعن به عليه، فراجع حول ذلك نفياً وإثباتاً: المغني في أبواب التوحيد والعدل 20( الإمامة ج 2): 39؛ الشافي في الإمامة 229: 4؛ تلخيص الشافي 56: 4؛ شرح نهج البلاغة 33: 3؛ بحار الأنوار 218: 31، الطعن الثامن.