صراعٌ نظريٌّ عقائدي، وليس صراعاً شخصيّاً؛ لأنّ هذا كان من أكبر الوسائل لتثبيت حقّانيّة هذه النظريّة التي يقدّمها.
أَلَيس هو يريد أن يثبّت في الذهنيّة الإسلاميّة أنّ النظريّة الإسلاميّة للحياة [هي] هذه، لا تلك التي يطبّقها الزعماء المنحرفون؟! كيف يستطيع أن يرسّخ هذا في الذهنيّة الإسلاميّة مع الالتفات إلى نقاط الضعف في الذهنيّة الإسلاميّة؟ وإلى عدم كون الذهنيّة الإسلاميّة ذهنيّةً واعية؟
يرسّخ هذا بأنْ لا يبدوَ منه أيُّ ظاهرةٍ يمكن أن تُفسَّر- حتّى على مستوى تلك الذهنيّة الضعيفة- [بأنّها] عملٌ شخصي، و [أنّها] صراع شخصي، لا [أنّها] صراع عقائدي ونضالٌ في سبيل تثبيت النظريّة.
ولهذا انتظر أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) أن يبرز الانحراف واضحاً، أن يتجلّى الانحراف واضحاً، ثمّ يبدأ بالصراع.
والانحراف لم يكن واضحاً مكشوفاً لدى الناس، أيّ ناس؟!
هؤلاء الناس غير الواعين، هؤلاء الناس غير الواعين لا يشعرون بمرارة الانحراف إلّا إذا دخل الانحراف إلى بيوتهم، إلّا إذا مسّ جلودهم، إلّا إذا أحرق شعرهم، إلّا إذا أذاب معاشهم ومالهم، إلّا إذا فتّت قواهم، حينئذٍ يشعرون بحرارة هذا الانحراف، بنار هذا الانحراف. أمّا قبل هذا، فلا يترقّب من امّة غير واعية- بذلك المستوى من الوعي- أن تشعر بالانحراف.
الانحراف بدأ في أيّام أبي بكر، ونما في أيّام عمر، ولكنّه كان انحرافاً مستوراً، وكان عمر موفّقاً جدّاً في أن يُلبِسَ هذا الانحراف في المقام الثوب الديني المناسب[1].
نحن لا نريد أن نعطي مفهومنا الخاصَّ عن عمر، [بل] نأخذ بمفهوم
[1] تقدّم التعليق على هذه النقطة لدى الحديث عن: حيثيّات بدء أمير المؤمنين( عليه السلام) الصراعَ السياسي، فراجع.