الموقف من عبد الرحمن بن عوف سليماً: أن يطرح يد علي عليه السلام مبسوطة دون أن يبايعها، ويبايع إنساناً غير جدير بأن يتحمل الأمانة، أن يبايع عثمان بن عفان؟
إذن المسألة هنا ليست فقط مسألة نصّ وإنّما المسألة هنا مسألة حبّ الدنيا، مسألة خيانة الأمانة؛ لأن حبّ الدنيا يعمي ويصم. حبّ عبد الرحمن بن عوف للدنيا أفقد الصلاة معناها، أفقد الصيام معناه، أفقد شهر رمضان معناه، أفقد كل شيء مغزاه الحقيقي ومحتواه النبيل الشريف.
«حبّ الدنيا رأس كل خطيئة» وحبّ اللَّه سبحانه وتعالى أساس كل كمال، حبّ اللَّه هو الذي يعطي للإنسان الكمال، العزة، الشرف، الاستقامة، النظافة، القدرة على مغالبة الضعف في كلّ الحالات. حبّ اللَّه سبحانه وتعالى هو الذي جعل اولئك السحرة يتحولون إلى روّاد على الطريق، فقالوا لفرعون: «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا»[1]. كيف قالوا هكذا؟ لأنّ حب اللَّه اشتعل في قلوبهم، فقالوا لفرعون بكل شجاعة وبطولة «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا».
حبّ اللَّه هو الذي جعل علياً عليه الصلاة والسلام دائماً يقف مواقف الشجاعة، مواقف البطولة. هذه الشجاعة، شجاعة علي عليه السلام ليست شجاعة السباع، ليست شجاعة الاسود، وإنّما هي شجاعة الإيمان وحبّ اللَّه، لماذا؟ لأنّ هذه الشجاعة لم تكن فقط شجاعة البراز في ميدان الحرب، بل كانت أحياناً شجاعة الرفض، أحياناً شجاعة الصبر.
علي بن أبي طالب ضرب المثل الأعلى في شجاعة المبارزة في ميدان الحرب. شدّ حزامه وهو ناهز الستين من عمره الشريف وهجم على الخوارج
[1] طه: 72