تنويع الظهور:
والظهور- الذي يمثّل كما عرفنا درجة معيّنة من دلالة اللفظ على المعنى- يعتبر حصيلة نوعين من الدلالات:
الأوّل: الدلالات اللفظيّة الوضعيّة، أي الدلالات الناتجة عن الوضع في اللغة، فكلمة الأسد إنّما كانت ظاهرة في الحيوان المفترس دون الإنسان الشجاع لأ نّها موضوعة للدلالة على ذلك المعنى.
الثاني: الدلالات اللفظيّة السياقيّة، أي الدلالات الناتجة عن سياق الحديث وطريقة التعبير، فحين يقول الآمر مثلًا: اغتسل غسل الجمعة لأنّك تثاب على ذلك، نعرف أنّ غسل الجمعة مستحبّ وليس واجباً، وأنّ الأمر أمر ندب لا أمر إلزام نظراً إلى الطريقة التي اتّبعها الآمر في الترغيب في غسل الجمعة، إذ رغّب فيه عن طريق ما يؤدّي إليه من الثواب، وهذا السياق من الترغيب يدلّ على الاستحباب، بالرغم من أنّ الواجب فيه ثواب أيضاً، غير أنّ الغسل لو كان واجباً لكان الأولى تبديل السياق واستعمال طريقة التخويف من العقاب بدلًا عن الترغيب في الثواب. فالدلالة هنا دلالة سياقيّة، وظهور الكلام في الاستحباب يقوم على أساس هذه الدلالة السياقيّة.
ومن مجموع الدلالات السياقيّة والوضعيّة يتكوّن الظهور اللفظي للنفس ويتحدّد معناه المنسجم مع تلك الدلالات.
أمّا أنّ هذه الدلالات الوضعيّة والسياقيّة كيف تنشأ وتتكوّن؟ وما هي العلاقات المتبادلة بينها؟ وكيف نثبت ونعيّن نوع الدلالات الوضعيّة والسياقيّة لكلّ كلام؟ وهل يمكن أن يتّخذ كلّ فرد إطاره اللغوي الخاصّ مقياساً لتعيين تلك الدلالات أو لا بدّ من اتّخاذ الإطار اللغوي العامّ مقياساً لذلك؟ وإذا كان الإطار