[موقف المنطق الوضعي من المشكلة:]
وبقي المنطق التجريبي يعاني هذه المشكلة أو هذا النقص في تفسير المعرفة، حتّى حاول المناطقة الوضعيّون المحدثون أن يسدّوا هذا النقص ويعالجوا تلك المشكلة علاجاً واقعيّاً قائماً على أساس الاعتراف بالفرق بين القضيّة الرياضيّة والقضيّة الطبيعيّة، بدلًا عن التهرّب من هذه الحقيقة وإنكارها كما كان يصنع المنطق التجربي.
ويتلخّص موقف المنطق الوضعي في القول بأنّ مردّ الضرورة واليقين في القضايا الرياضيّة إلى كونها قضايا تكراريّة لا تخبر عن شيء إطلاقاً، فيقيننا بأنّ 2+ 2/ 4 ليس نتيجة لوجود خبر مضمون الصحّة ومؤكّد التطابق مع الواقع في هذه القضيّة الرياضيّة، وإنّما هو نتيجة لخلوّ هذه القضيّة من الإخبار وكونها تكراريّة.
ولكي تتّضح فكرة الموقف يجب أن نشير إلى معنى القضايا الإخباريّة والتكراريّة.
فإنّ المنطق الوضعي يقسّم القضايا إلى قسمين:
أحدهما: القضايا الإخباريّة وهي: كلّ قضيّة تتحفنا بعلم جديد وتصف الموضوع بوصف لم يكن مستبطناً في الموضوع نفسه، فإنّ الإنسان مثلًا بوصفه إنساناً ليس معناه أ نّه يموت، وسقراط بوصفه إنساناً معيّناً لا يعني أ نّه استاذ إفلاطون، فإذا قلنا إنّ كلّ إنسان يموت أو أنّ سقراط استاذ إفلاطون كنّا نقرّر بذلك وصفاً جديداً للإنسان غير مجرّد أ نّه إنسان، ووصفاً جديداً لسقراط غير مجرّد أ نّه سقراط، وبذلك تكون القضيّة إخباريّة تركيبيّة.
والقسم الآخر: القضايا التكراريّة، وهي: كلّ قضيّة تكرّر عناصر الموضوع