البحث الثالث المفهوم الفلسفي للعالم
أوّلًا: وأخيراً يصل «النجّار» إلى المفهوم الفلسفي للعالم، ويستعرض المفهوم الإلهي الذي يرجع المادّة والفكر معاً إلى سبب أعمق خارج نطاق الطبيعة، ويتبرّع بتحديد آخر لهذا المفهوم يقدّمه بوصفه تعبيراً عنه إذ يقول:
«وبمعنى آخر: إنّ هناك واقعاً في أذهاننا خارجيّاً للعالم والطبيعة لا يمكننا الاستدلال عليه إلّافي ضوء معارفنا التصديقيّة والفطريّة. فما دام هناك واقع لا يوجد إلّافي العقل- عقل الفلاسفة الواقعيّين- والذهن، وليس في العالم والطبيعة وإنّما «فوقهما جميعاً»، فما وجه الاختلاف عن المثاليّة التي تدّعي وجود مثل هذا الواقع؟!»[1].
إنّ النجّار في كلامه هذا لا يميّز بين أمرين:
أحدهما: أنّ الشيء لا يوجد إلّافي العقل.
والآخر: أنّ الشيء موجودٌ خارج نطاق العقل ولكن لا يمكن إدراكه حسّيّاً وإنّما يدرك عقليّاً فحسب.
والأوّل هو الذي يعبّر عن الموقف المثالي من العالم، والثاني هو الذي يعبّر [عن] افتراض وجود السبب الأعمق فوق الفكر والمادّة معاً، لأنّ هذا السبب الأعمق موجودٌ بصورة موضوعيّة رغم عدم إمكان إدراكه بالوسائل الحسّيّة.
وهنا نقطة جوهريّة في غاية الأهمّيّة لا بدّ من تجليتها وهي:
[1] مجلّة الثقافة: 44