اسلوب العمل
: أذكر هذه الحقائق لما لها من أهميّة كبيرة في هذه الدورة من تاريخ ديننا، فقد يسبق إلى الذهن أنّ تكوين الأفراد له «دورة» محدودة في تاريخ الجماعة، ثمّ يأتي عهد تنفيذ لا يهتمّ فيه كثيراً بالتكوين … وشواهد الحياة في مكّة والمدينة توضح لنا الاسلوب الذي ينبغي أن نتّخذه، وتوجب علينا العناية بتمكين الإيمان في أنفسنا أوّلًا … والإيمان باللَّه واليوم الآخر، والعناية بالعبادة وصدق التوجّه إلى اللَّه وإتقان الصلاة، وأن يكون هذا منهجنا جميعاً، قادةً وجنوداً.
وقد يظنّ الفرد أ نّه بعد تحصيل قدر محدود من دينه قد وصل إلى درجة يقف فيها ساكناً لا يجاهد في تحسين عبادته وكثرة محصوله من كتاب اللَّه وسنّة النبيّ صلى الله عليه و آله ودعاء ربّه في ظلمة الليل والاستغفار والتوبة، وتتحوّل الدعوة عنده إلى إدارة تفقد فيها الحيويّة الدافعة التي لا تنبثق في النفس إلّامن معين السجود.
إنّني أحسّ الفرق الدقيق بين الإسلام كدعوة وبين غيره من النظم في هذه النقطة بالذات … فالإسلام أهمّ سماته التكوين الذي لا ينقطع، التكوين الذي يضبط النفس والصفّ ويعرضهما دائماً على كتاب اللَّه، التكوين الذي يفصل بين عمر الفرد وعمر الإسلام … فحين أفصل بين عمري وعمر ديني أعمل هادئاً لا أستعجل ثمرة، وإنّما تأتي على قدر، واللَّه لن يحاسبني على النصر بل سيحاسبني على الصدق، وهو القائل في كتابه: «لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ»[1]، «وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»[2].
[1] الأحزاب: 24
[2] آل عمران: 126