الجعفري على يده في هذا الكتاب المبدع على صورة رائعة في الاسلوب والتعبير والبيان.
فقد قرأت في هذا الكتاب الجليل التأكيد على عنصر الجانب الاجتماعي من فهم الدليل والتمييز بينه وبين الجانب اللفظي الخالص في مواضع عديدة منه.
ولكي نشرح فكرة الكتاب عن الفهم الاجتماعي للنصّ ونعرف محتوى هذا الفهم ودوره في استنباط الحكم من النصّ، يجب أن نتحدّث في البداية عن الظهور.
حجّيّة الظهور:
من الامور المتّفق عليها بصورة مبدئيّة في علم الاصول، المبدأ القائل بحجّيّة الظهور، وهو المبدأ الذي يحتّم أن نفسّر كلّ خطاب شرعي على ضوء ظهوره ما لم توجد قرينة على الخلاف. والظهور- كما تقرّره البحوث الاصوليّة التي تدرس هذا المبدأ- عبارة عن درجة خاصّة من دلالة الكلام، وهي الدرجة التي تجعل المعنى الذي نشير إليه ظاهراً من الكلام وأكثر انسجاماً معه من أيّ معنىً آخر. فاللفظ قد يصلح للتعبير عن عدد من المعاني ولكنّه يظلّ ظاهراً في معنى خاصّ من تلك المعاني، كلفظ الأسد قد تستخدمه للتعبير عن الحيوان المفترس، فتقول: الأسد ملك الغابة، وقد تستخدمه للتعبير عن شجاعة الإنسان، فتقول: هذا الإنسان أسد. ولكنّ كلمة الأسد حين ينظر إليها بصورة منفصلة عن القرائن الخاصّة نجد أ نّها ظاهرة في المعنى الأوّل؛ لأنّ كلمة الأسد بطبيعتها اللغويّة تدلّ على الحيوان المفترس بدرجة أكبر من دلالتها على الإنسان الشجاع، الأمر الذي يجعل من الحيوان المفترس أكثر المعاني انسجاماً معها، وهو معنى الظهور