اليقين الرياضي والمنطق الوضعي[1]
[الخلاف حول مصدر المعرفة:]
قد يكون من أهمّ الخلافات الفلسفيّة التي عالجها الفكر البشري على مرّ العصور هو الخلاف حول مصدر المعرفة وأساسها.
وقد انقسم المفكّرون إزاء هذه المشكلة إلى قسمين:
القسم الأوّل: آمن بأنّ المعرفة البشريّة ذات أساس عقلي، فهي تنتهي إلى اسس ومبادئ يدركها العقل إدراكاً حدسيّاً مباشراً، وعن طريق تلك الاسس والمبادئ وفي ضوئها تستنبط سائر فروع المعرفة.
والقسم الثاني: آمن بأنّ التجربة هي الأساس العامّ الوحيد، الذي يموّن الإنسان بكلّ ألوان المعرفة التي يزخر بها الفكر البشري، ولا توجد لدى الإنسان أيّ معارف قبليّة بصورة مستقلّة عن التجربة. وحتّى ما يبدو في أعلى درجات التأصّل في النفس البشريّة من قضايا الرياضة والمنطق، نظير 1+ 1/ 2، والمثلّث له ثلاث زوايا، واثنان نصف الأربعة، والكلّ أكبر من جزئه. حتّى هذه القضايا ترجع في التحليل إلى التجربة التي عاشها الإنسان على مرّ الزمن.
[1] نشر في مجلّة( الإيمان)، السنة الثانية، العدد( 1- 2)، 1965 م