الدرجة المعيّنة من الحرارة، ولا نجد مسوّغاً لتعميم القضيّة القائلة بأنّ الماء يغلي عند درجة معيّنة لذلك العالم الآخر، وهذا يعني أنّ التعميم في تلك القضيّة إنّما كان في حدود العالم الخارجي الذي وقعت التجربة فيه. وعلى عكس ذلك القضايا الرياضيّة، فإنّ الحقيقة الرياضيّة القائلة: إنّ 2* 2/ 4 صادقة على أيّ عالم نتصوّره! ولا يمكننا أن نتصوّر عالماً تنتج فيه عن مضاعفة الاثنين خمسة، ومعنى ذلك أنّ التعميم في القضيّة الرياضيّة يتخطّى حدود الكون المعاش ويشمل كلّ ما يمكن أن يعترض من أكوان وأفراد.
هذه فروق ثلاثة بين القضيّة الرياضيّة والقضيّة الطبيعيّة جعلت المنطق التجريبي في مشكلة؛ لأنّه مطالب بتفسيرها مع أ نّه يعجز عن ذلك ما دام يؤمن بأنّ القضايا الرياضيّة والطبيعيّة جميعاً مستمدّة من التجربة بطريقة واحدة، ولأجل ذلك اضطرّ المنطق التجريبي لفترة من الزمن أن يعلن المساواة بين القضيّة الرياضيّة والطبيعيّة، وينزّل قضايا الرياضة عن درجة اليقين! الأمر الذي يجعل الحقيقة القائلة أنّ 1+ 1/ 2 قضيّة احتماليّة في رأي التجريبيّين تحمل كلّ نقاط الضعف المنطقيّة التي تشتمل عليها الطريقة العلميّة في الاستقراء، أي طريقة التعميم وتجاوز حدود التجربة.
وكان هذا الإعلان والقول من المنطق التجريبي من أكبر الأدلّة ضدّه، ومن الشواهد التي تدينه وتثبت فشله في تفسير المعرفة البشريّة، بينما لم يكن المنطق العقلي مضطرّاً إلى التورّط فيما وقع فيه المنطق التجريبي؛ لأنّ المنطق العقلي نظراً إلى إيمانه بوجود معارف قبليّة سابقة على التجربة، أمكنه أن يفسّر الفرق بين القضيّة الرياضيّة والقضيّة الطبيعيّة: بأنّ قضايا الرياضة مستمدّة من معارف سابقة على التجربة، وقضايا الوجود في الطبيعة مستمدّة من التجربة، وما دامت طريقة المعرفة مختلفة فيهما فمن الطبيعي أن تختلفا في طبيعة المعرفة ودرجتها.